للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرباني القاطع والإرادة الكونية الكائنة، وذلك في قوله -جلَّ وعلا-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (١).

ولولا ضعف عقل العظمة ومظهر لما استسلموا بسذاجة لتقليد الزنادقة وبعض المستشرقين الذين لا يوثق برأيهم ولا بفهمهم ولا بمعرفتهم للغة العربية، فضلًا عن أنه لا يوثق بمقاصدهم، كما أنه لا يوثق بمقاصد الذين قلدوهم.

وبعد تشكيكه في القرآن، والزعم بأن القرآن متناقض، يصل إلى مذهبه الباطل ليجعل منه المعيار للقبول والرد، ثم يذكر أسوته من الغربيين في اعتراف بالتبعية، واعتراف بانفصال الحداثة عن الذات ذات العقيدة والأمة والتاريخ والحضارة، وهذا الانفصال -عندهم- هو الذي يجعل منها المعيار القادر على الكشف العلمي عن حقيقة نصوص الوحي، فيقول: (. . . إن معرفة الذات لا تتم بالتطابق مع الذات بل بأخذ مسافة من الذات، وليس هذا بالممكن بالنسبة للحضارات إلّا باعتبار الزمان، وانصرام الذات المعروفة، ومعرفتها من قبل لاحق يُدرجها في سياق هو آخر، وهو بالتالي قابل للمعرفة.

إن الآخر المتأخر الذي نشير إليه ليس إلّا الحداثة، والحداثة تعني تحديدًا: وعي التحول وواقع الصفة النوعية لانسياب الزمن، لن نستعيد هنا الحداثة الفيلولوجية (٢) والتاريخية في مجال النصوص المقدسة التي ابتدأت بريشار سيمون (٣)، وتوصلت إلى إحدى ذراها عند سبينوزا (٤) في دراسة للعهد القديم، والتي ترجمها الدكتور حسن حنفي إلى العربية، ثم استمر


(١) الآية ٩ من سورة الحجر.
(٢) فيلولوجيا: طرق تستهدف إنجاز نص، وتسهيل قراءته ونقده، بضمان شرعيته اللغوية، ولعبت الفيلولوجيا دورًا خاصًا في القرن التاسع عشر من الوجهتين التاريخية والمقارنة. انظر: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة: ص ١٧١.
(٣) ريشار سيمون سبقت ترجمته ص ١٠٦١.
(٤) سبينوزا سبقت ترجمته ص ١٠٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>