للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجعل الوزن شرطًا ضروريًا لتكون الكتابة شعرًا ولم يظهر مفهوم الشعر "هو الكلام الموزون المقفى" إلّا في عصور متأخرة، ولو قد كان ذلك المفهوم شائعًا لما كان ذلك الوقف العجيب من القرآن الكريم، هذا الكتاب المقدس الذي ادهشهم بإيقاعه الجميل وببلاغته المنتقاه. . . إن فارقًا كبيرًا بين المعلقات ومعمارها وبين هذا المعمار القرآني العجيب، ومع ذلك فقد اختلط الأمر على عرب ذلك الحين فتوهموه شعرًا، ماذا يعني هذا الموقف؟!) (١).

بل نقول: ماذا يعني هذا الكلام؟ وفيه من الكذب والمغالطة وقصد تدنيس القرآن الشيء البين، فما هو الدليل على أن العرب كانوا يجعلون الشعر بلا وزن ولا قافية؟، إن هذا دليل آخر يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي تثبت جرأة الحداثيين على الادعاءات الكاذبة من غير حياء ولا تردد.

ثم ما هذا الربط المتهافت بين الشعر الوهمي الذي ادعى وجوده، والقرآن العظيم؟، ألم يعلم أن وصف الكفار للقرآن بأنه شعر هو ضمن أوصاف أخرى أرادوا منها التنفير من القرآن والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- والتقليل من شأنهما.

وقد قالوا بأنه سحر وأنه قول مجنون، فهل يصح بناء على استنتاج المقالح أن يقال بأن في القرآن تشابهًا مع السحر والكهانة؛ لأن العرب كانت تعرف زمزمة السحرة والكهان؟، ووصفت القرآن بالسحر؟، نعم قد قال ما يشبه هذا نصر أبو زيد في كتاب مفهوم النص (٢).

وهل يصح بناء على استنتاج المقالح ونصر أبو زيد أن يقال بأن القرآن قول مجنون كما قال الجاهليون؟، وقد كانوا يعرفون الجنون والمجانين؟.

الحقيقة أن الكفار قديمًا وحديثًا يعانون من الوقوع تحت وطأة التناقض بين الحقيقة الناصعة التي يعرضها عليهم الإسلام من غير شوب ولا شك،


(١) قضايا الشعر المعاصر: ص ٢٤٦.
(٢) انظر: مفهوم النص: ص ٣٣ - ٣٧، ٣٩، ٤٠، ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>