للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقول قائل عن هذا المثال والأمثلة التي سلفت من جنسه، ما المانع أن نستعمل لفظ مصحف وآية وسورة؟.

والجواب على ذلك أن لكل لفظ من هذه الألفاظ دلالته الخاصة والمقدسة عند المسلمين فامتهانه وإنزاله من درجة قداسته إلى درجة وصف كلام البشر به، دلالة على عدم توقير مضامين هذه الأسماء الشريفة.

ولو أن أحدًا أخذ لفظ حداثة أو إبداع التي لها عندهم المقام العالي، ثم وصف به الغائط أو المخاط أو أي شيء قذر، لرأيت حملات الدفاع والهجوم والمقاومة تنهال من كل صوب!!، ولا يُمكن أن يقول أحد منهم حتى الداعين إلى تفجير اللغة بأن ذلك سائغ ومقبول، وهذا دليل على أن الألفاظ لها دلالالتها الخاصة والأسماء لها مضامينها التي تخصها.

أمّا سميح القاسم فإنه يصف نفسه ويضفي عليها مدائح "لا دينية" من قبيل قوله:

(أنا لم أحفظ عن اللَّه كتابا أنا لم ابن لقديس قبابا

أنا ما صليت وما صمت وما رهبت نفسي لدى الحشر عقابا

والدم المسفوك من قافيتي لم يراود من يدي عدنٍ ثوابا) (١)

فإذا كان المؤمن باللَّه تعالى وبدينه يفرح ويعتز بأنه يحفظ كلام اللَّه ويصلي ويصوم ويخاف عقاب الآخرة ويرجو ثوابها، فإن الحداثي الماركسي يفتخر بأنه على عكس ذلك كله، فهو لم يحفظ عن اللَّه كتابًا، ولا بعض كتاب، ولا يريد ذلك ولا يحبه؛ لأنه قد تمهد عنده بناء على عقيدته الماركسية أن الدين خرافة، وأن الحياة مادة، وأنه لا شيء بعد هذه الحياة الدنيا، ومنطقهم اليوم هو منطقهم بالأمس {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (٢)، وقد وصفهم الباري -عَزَّ وَجَلَّ- أدق وصف


(١) ديوان سميح القاسم: ص ٦٩.
(٢) الآية ٢٤ من سورة الجاثية.

<<  <  ج: ص:  >  >>