للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد غرق عالم اليوم في غرور كبير، وفي استكبار عظيم، حين زعم فلاسفته وقادته أنه يُمكن الاستغناء عن الرسل والرسالات بالعقول والتجارب ومعطيات الحس التي هي من وهب اللَّه وعطائه، فوضعوا القوانين والنظم والمناهج التي تحل الحرام وتحرم الحلال، وتجيز الظلم والفاحشة، وتحتال على الحق وتحارب الخير والفضيلة، وتساوي بين البر والفجور والإصلاح والإفساد، والضار والنافع والحسن والقبيح، بل تدعو إلى الفساد وتفتح أبوابه، بل تدعو إلى الفساد وتفتح أبوابه، وتدافع عن الأضرار وتمهد طرقها، وتزين القبيح وتسهل وسائله، ومن تأمل في فلسفات القوم وأخلاقهم وأعمالهم علم كم فيها من الشر والفساد والضلال والانحراف، وكم ترتب عليها من الشقوة والبلاء والارتكاس، وعلم تمام العلم أن القوم وإن زعموا تعلقهم بالمعقول إلّا أنهم قد أتوا بما هو مناقض للفطرة ومخالف للمصلحة، وفي تناقضات أقوالهم وأحوالهم ما يدل على كلال عقولهم وفساد أذهانهم، وما من عقل ينحرف عن منهج اللَّه ويبتعد عن الوحي المعصوم إلّا ويصاب بالتناقض والتهافت والوهن.

وأعظم دليل على ذلك ما نراه من استفحال أمراض الأهواء الفلسفية وتعاظم الأسقام الخلقية، وتكاثر الجراثيم المعرفية، مع قلة إحساس أعضاء هذه المجتمعات بهذه الأمراض التي تفتك في بنيانهم وتوشك أن تودي بهم.

كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن العقل لا يستغني عن النبوات، وأنه متى استرشد يهديها اهتدى واستقر واستنار وأنار، ومتى أعرض واستكبر عن الوحي انتكس وانهار وانحرف وضل وأصيب بالعاهات وكدورات الأهواء والرعونات.

الثالث: أن ثبوت النبوة وثبوت الوحي إلى الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من أعظم الحقائق وأظهر الأمور، ودلائله كثيرة منها:

١ - أن كل واحد من الرسل عليهم الصلاة والسلام اتصف بأحسن الصفات وتحلى بأجمل النعوت، فهم أكمل الخلق علمًا وعملًا وأصدقهم وأكملهم خلقًا، وقد اختصوا بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، ومن تأمل

<<  <  ج: ص:  >  >>