أحوالهم وأعمالهم وسيرهم -عليه الصلاة والسلام- وجدهم جميعًا متصفين بسمو الفطرة وصحة العقل والصدق في القول والأمانة في التعامل، وسلامة الحواس والبدن مما تنبوا عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة، وقوة الروح، والشجاعة المقرونة بالحلم، والعلم والكرم والعفة وحسن الخلق، والترفع عن الدنايا والسلامة من النواقص الخلقية، مع لطف في الخُلُق، وعطف على الخَلْق، ورحمة وتواضع، وزكاء نفوس ورجحان أذهان وبعد عن الظلم والكذب والعدوان، والفواحش والمنكرات وغير ذلك من الأخلاق العظيمة التي اتصفوا بها، وهي تدل غاية الدلالة على صدق أصحابها، وأمانتهم، وصحة ما جاؤوا به.
وإنّما لزمت هذه الصفات الجليلة للرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؛ لأنه لو انحطت أخلاقهم وتضاءلت صفاتهم وضعفت قواهم الخلقية، لما كانوا أهلًا لتلقي الوحي والهدى من اللَّه، ولأصبحوا عاجزين عن تبليغ جميع ما عهد به اللَّه إليهم لتبليغه، بل لما كانوا جديرين بهذا الاختصاص الإلهي الذي يفوق كل اختصاص وهو: اختصاصهم بالوحي والكشف لهم عن أسرار علم اللَّه التي أوحيت إليهم (١).
والناظر في أخلاق وأحوال الأنبياء مقارنة بأحوال وأخلاق غيرهم من الكذابين الذين ادعوا النبوة، أو السحرة والكهان، أو الفلاسفة، أو المنظرين للأخلاق أو المؤصلين للنظم الأرضية؛ يجد الفرق الهائل العظيم بين أخلاقهم وأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولنأخذ أمثلة من كبار فلاسفة وأخلاقيي الحضارة الغربية، فهذا فولتير إمام التنوير -كما يسمونه- عاشر ابنة أخته واستولدها، وروسو إمام آخر للتنوير وصاحب النظريات التربوية أودع أولاده الملجأ، وأندريه جيد معروف بالشذوذ الجنسي، مفعول فيه، ونتشه الذي عاش في نزوات وتخبطات عقلية انتهت به إلى الجنون، وبودلير إمام الحداثة ورافع رايتها مصاب بعقدة أوديب -كما يقولون- أي بعشقه لأمه، وسارتر زعيم الوجودية عاش حياته مع عشيقته الوجودية بوفوار