للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول الذي يقوله أدونيس مستندًا على قول الأعداء القدامى للرسل يذكر بقول نصر أبو زيد حين جعل الوحي قرينًا للشعر والكهانة والسحر، باعتبار أن كل منهما اتصال بين الإنسان وغير الإنسان، وأن ذلك هو الأساس المعرفي لظاهرة الوحي كما يقول (١).

قال اللَّه تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)} (٢).

ويأتي أدونيس بأقوال ابن الراوندي التي يسخر فيها بالمعجزات النبوية (٣)؛ ليجعل من ذلك قاعدة له في نفي الرسل والرسالات ثم يأتي بقول أستاذ من أساتذته الغربيين فيه تهكم وشتم لعيسى عليه الصلاة والسلام، ويطلب مق أتباعه أن تصل جرأتهم إلى هذا المستوى، فيقول: (كلنا يعرف من هو المسيح، ولعلنا نعرف كيف خاطبه رامبو (٤): "يسوع يا لصًا أزليًا يسلب البشر نشاطهم" حين تصل جرأة الإبداع العربي إلى هذا المستوى، أي حين تزول كل رقابة، يبدأ الأدب العربي سيرته الخالقة، المغيرة، البادئة، المعيدة) (٥).

إنها دعوة صريحة إلى سلوك هذا الطريق المظلم وهدم هذا الأصل العظيم، وطبيعي أن تكون معاداة الرسل ومناهجهم من أهم أهداف وغايات الحداثي الملحد والعلماني الضال؛ لأنه لا يوجد من يقاوم هذا التيار الكفري إلّا الدين، ولذلك دعا أدونيس إلى التردي إلى مستوى رامبو في السخرية والشتم للأنبياء، ويعتبر أن الأدب العربي لا يُمكن أن يحقق سيرته ومكانته إلّا


(١) انظر: مفهوم النص: ص ٣٣ - ٣٩.
(٢) الآية ٥٣ من سورة الذاريات.
(٣) انظر: الثابت والمتحول ٢ - تأصيل الأصول: ص ٧٥، ٧٦.
(٤) رامبو أحد أعلام المذهب الرمزي في الأدب، وأحد شعراء الحداثة الذين توجهت إليهم أفئدة الحداثيين العرب حبًا وتقليدًا، تعود قصيدة النثر إليه، وعلى منواله نسج المقلدون له خاصة أدونيس وأنسي الحاج، وهو أول من أطلق على الشاعر اسم الشاعر النبي، وتهجم على عيسى عليه الصلاة والسلام، فقلده الحداثيون في كل ذلك. انظر: في النقد الحديث ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٥) زمن الشعر: ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>