للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشأ سبنسر مريضًا كسولًا وكان يشعر بأنه صاحب رسالة، فأراد أن يعطي تصورًا عن العالم وتفسيرًا للوجود يعتمد على العلم والعقل، فشرع في التأليف معتمدًا على مواهبه الفطرية، وثقافته الذاتية، وملاحظاته المباشرة، فنزع إلى الإلحاد والمادية، وارثًا ذلك عن أبيه وجده لأبيه فقد كانا ماديين لا يؤمنان بشيء فوق الطبيعة.

قامت نظرته الفلسفية على نظرية الارتقاء المماثلة لنظرية دارون، ونشر عن ذلك قبل أن ينشر دارون كتابه "أصل الأنواع" بتسع سنوات، ثم لما نشره دارون زاد ذلك من حماسة سبنسر لفكرته وانبرى يؤلف سلسلة من الكتب تشرح كل العلوم المعروفة في ضوء نظرية التطور والارتقاء المادية الإلحادية في محاولة منه لوضع نظرية فلسفية شاملة، أو فلسفة تركيبية كما كان يسميها.

هناك من يعد إلحاده من مذهب اللاأدرية (١)، وهناك من يعده من صرحاء الملحدين، تدور فلسفته على فكرة التطور الذاتي، وجعلها مفسرة لكل ظواهر الوجود وأخضع لها كل شيء، الحياة والعقل والمجتمع والأخلاق (٢).

يرى أن العقل عاجز عن إدراك الحقيقة، ومع ذلك يعظمه ويقيس به كل شيء وهو عنده كالّ ضعيف!!!، يعتبر سبنسر أستاذًا من أساتذة المذهب الوضعي (٣).

وبناء على فلسفته المادية يقول: كل ما يتجاوز إدراكنا ونطاق العلوم الواقعية يؤلف مجال المجهول ويؤدي إلى الاعتقاد بوجود ما لا يُمكن معرفته. . . ثم يرتب على هذه المقدمة الفاسدة نتيجة فاسدة هي: كل ما نستطيع أن نجزم بصدده هو أن نقول: إننا لا نعرف ما إذا كان اللَّه موجودًا أو غير موجود، وما من سبيل أمامنا إلّا أن نعتنق اللاأدرية بوصفها الاختيار


(١) سبق شرحه ص ١٠٨.
(٢) وهذا مبدأ من مبادئ الحداثة الأساسية.
(٣) سبق شرحه ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>