بيد أن التقليد في المظاهر له دلائل أكيدة ومظاهر خطيرة، إذ من الثابت أن العلاقة بين المظهر والمخبر لا تنفصم، والعلاقة بين اللغة والمحتوى لا تتباعد، والالتزام بمظاهر معينة كثيرًا ما تكون تعبيرًا طبيعيًا عن حالات نفسية ومبادئ تصورية.
وفي مجال الأدب الذي هو مقصد هذا البحث نجد أن علاقة التبعية تأتي فيه من جهتين اثنتين:
الأولى: أن الأدب أضحى عقيدة، أو حامل عقيدة، وهو بذلك في حياة أصحاب المحاكاة والتبعية لا يبتعد عن حومة التقليد في الأسس الفكرية والتصورات الاعتقادية.
الثانية: أن الأدب باعتباره شكلًا من الأشكال الظاهرة -على افتراض أنه لا يحمل عقيدة ولا يدعو إلى مبدأ- هو أيضًا في الحالة العربية المعاصرة يرزخ تحت نيران التبعية وينضوي تحت دائرة الإطار الإلحادي المظلم.
وعلى ذلك فإن دعوى التناقض والإشكالية المعرفية التي يقولها أدونيس في النص السابق، ويعبر غيره عنها بعبارات أخرى مشابهة، لا تستند على قدم الحقيقة ولا تقوم على ساق البرهان، لما ذكرناه آنفًا، ولما بيناه من قبل من أن موقف المعادي المليء بالحقد التاريخي أو المعاصر على دين الإسلام لا يُمكن بحال من الأحوال أن يكون منصفًا؛ لأن حوافز البغض والعداوة في قلبه تجعل منه عنصر ظلم وعلامة عدوان، وبالتالي تبعده عن أي موقف حيادي -إن صحت الحيادية هنا- أو أي موقف متعقل -إن صح أن للملحد موقف تعقل-.
وإذا أردنا أن نأخذ على ذلك مثالًا من كلام أدونيس وأسلافه الذين يستشهد بكلامهم ومواقفهم، فإننا نجد أنه ينقب في التراث ليجد شاكًا أو ملحدًا بين ملايين المؤمنين الموقنين، فيتخذه رمزًا وأصلًا، ويستعمل مقولاته جسرًا يعبر من فوقه إلى مآربه.
إنه يعتبر أي موقف مناقض للدين موقفًا عقليًا، وهذا المنطلق الابتداعي عنده - يجعل منه مجرد متحامل، يقول في الثابت والمتحول: