للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كان ابن المقفع من أوائل الذين وقفوا من الدين موقفًا عقليًا فانتقد الدين بعامة، وخص الإسلام، فانتقد القرآن وما فيه من عقائد، وتصوره للَّه والرسول. . .) (١).

وهكذا بكل عصبية وشنآن وحمية جاهلية، يجعل من المناوءة للدين والنقد له وللقرآن والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- موقفًا عقليًا، وهذا يدل على مدى الانغلاق العقلي لدى هذا القائل، ومدى التردي الذهني والعماية الجاهلية التي انغمس فيها أصحاب هذا الاتجاه.

وفي هذا الصدد أيضًا نجد أنه يصور مواقف ابن الراوندي الزنديق ومحمد بن زكريا الرازي الملحد من الدين بأنها مواقف عقلية بلغت الأوج، ثم يستشهد بأقوال لابن الراوندي يجحد فيها وجود الرسول والرسالات، ويقرر في شأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد مماحكة عقلية هابطة- بأنه بناء عليها يسقط عنا الإقرار بنبوته، ثم يقول: (يتضح من هذا النص أن العقل في نظر ابن الراوندي هو أصل العلم وأصل العمل، والنبوة، أمّا أن تقر ما يقره وحينئذٍ تكون تابعة له، ولا حجة فيها، وأن تخالف ما يقره، وحينئذٍ يجب رفضها، فالنبوة في الحالتين لا معنى لها، والعقل أصل والنقل تابع له) واستنادًا إلى ما يقرره من أولية العقل، ينتقد الإسلام ويرى أن الشريعة الإسلامية تتناقض مع العقل، يقول -مثلًا-: "إن الرسول أتى بما كان منافرًا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة، ورمى الحجارة والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل، فما الفرق بين الصفا والمروة إلّا كالفرق بين أبي قبيس وحرى (٢)، وما الطواف على البيت إلّا كالطواف على غيره من البيوت" (٣).


(١) الثابت والمتحول ٢/ ٧٣.
(٢) هكذا في الأصل، والصواب حراء.
(٣) ناقل أدونيس هذا النصر الإلحادي من كتاب الجودي عبد الرحمن بدوي المسمى تاريخ الإلحاد في الإسلام: ص ١٠١ - ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>