للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا صح أن "الرسول شهد للعقل برفعته وجلالته، فلماذا أتى بما ينافره إن كان صادقًا" (١).

وينتقل ابن الراوندي من ثم إلى نقد المعجزات فيرى أن "المخاريق شتى وأن فيها ما يبعد الوصول إلى معرفته ويدق على المعارف لدقته" (٢)، وأن أخبارها الواردة عن "شرذمة قليلة يجوز عليها المواطأة في الكذب. . . " (٣).

وابن الراوندي هنا لا ينتقد المعجزة بذاتها وحسب وإنّما ينتقد كذلك المنطق الداخلي المتهافت، الكيفي، لدى القائلين بها. . .، ثم يحاول ابن الراوندي أن ينتقد منهج النبي في الفكر والعمل، قاصدًا من وراء ذلك إلى إبطال دعواه النبوة فهو يستغرب كيف أن النبي "دفع في وجه ملتين عظيمتين متساويتين اتفقا على صحة قتل المسيح وصلبه فكذبهما"، وبذلك نسب جمهورًا عظيمًا إلى "الإفك والزور" فكيف يُمكن رد هذا وتجويز ما ترويه عنه" الشرذمة القليلة. . . بحجة الوضع الذي وضعه، والقانون الذي قننه في المباهتة والمكابرة؟ ".

وينتهي ابن الراوندي إلى القول بأن القول يناقض النبوة، فمن جهة أولى ليس "للخلق أول" والكلام الإنساني حادث، ولا يرجع في أصله إلى الأنبياء، والإنسان هو الذي ابتكر بعقله، كل شيء، دون حاجة إلى الأنبياء) (٤).

يتضح من هذا الطرح نوعية التفكير المغالط الذي يتبناه أدونيس وأسلافه من الزنادقة والملاحدة، ذلك أنهم قد جعلوا الإلحاد والكفر أساسًا ومنطلقًا وقاعدة، ثم حشدوا ما يستطيعون من مغالطات لتقوية وتأييد ملتهم، بالتهكم والسخرية والتندر والمزاعم الباطلة.

وفي نظرة شاملة كلية إلى هذه الأقوال وغيرها من أقوال ملاحدة


(١) و (٢) و (٣) نقل أدونيس هذا النص الإلحادي من كتاب الوجودي عبد الرحمن بدوي المسمى تاريخ الإلحاد في الإسلام ص ١٠١ - ١٠٢.
(٤) الثابت والمتحول ٢/ ٧٤ - ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>