والأصل في هذه القضية أنهم يجحدون -أصلًا- وجود اللَّه تعالى ويجحدون ربوبيته وألوهيته والنبوة والمعاد.
ومحور الصراع والمناقشة مع هؤلاء ليس إثبات شرعية الصلاة والصيام والغسل والطواف، بل جوهره في قضية وجود اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهؤلاء الملاحدة يجحدون وجوده مكابرة ومغالطة، والمؤمنون يثبتون وجود اللَّه تعالى بالبرهان العقلي، والحسي، والفطرة القويمة، ذلك أنه لا يتفق مع العقل والمنطق أن يكون هذا التصميم البديع لهذا الكون، والعالم كله من غير إله خالق مبدع، وهذا العالم من حولنا هو مجموعة هائلة من التصميم الدقيق والإبداع الراقي، والتنظيم المتناهي في الدقة، لا يُمكن أن ينشأ إلّا بأحد طريقين: المصادفة أو التخطيط المقصود.
أمّا المصادفة فهي ناشئة عن عدم، والعدم لا يخلق شيئًا؛ لأنه لا وجود له أصلًا فكيف يوجد غيره؟، ثم إن هذه الدقة في الكون تنفي قضية المصادفة؛ لأن عقولنا تنفي إنشاء عمارة شاهقة أو مصنع كبير عن طريق الصدفة، فكيف بهذا الكون المتداخل المتشابك المنظم غاية التنظيم؟!.
فإذا انتفى الطريق الأول، وهو لا محالة منتفٍ؛ لأن العقل يحيله، فيبقى الطريق الثاني وهو أن الكون وما فيه ناشئ بمقتضى صفات من له إرادة وعلم وحكمة وقدرة ومشيئة وحياة وهو اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهذا دليل بالأثر على المؤثر، وبالموجود على الموجد، وهو دليل عقلي بحت لا مجال لتكذيبه.
والذي يرى أن اللَّه غير موجود هو بمثابة من يقول بأن كتابًا نشأ عن طريق حركات ميكانيكية بحتة في مطبعة أسقطت الحبر على الورق وكونت الكلمات وأملت الأفكار ورتبت الأساليب وشكلت كتابًا ضخمًا يقرؤه الناس ويفهمونه، من غير تدخل من أحد.
فهل يعقل أن يكون هذا الكون الرحب الفسيح المنظم الدقيق المتماسك وما يزخر به من كائنات ومخلوقات دقيقة وجليلة، وما فيه من حركات وحوادث، وما فيه من تفاعل وتداخل وتكامل، وما فيه من نظام