للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين المؤمنين والكافرين مفترق طرق عند هذه القضية، يتلوها بعد ذلك قضية (الخلق والإيجاد) فالمؤمن يعتقد أن اللَّه هو خالق كل شيء من عدم وبيده مقاليد كل شيء، وأنه لما خلق الخلق لم يتركهم سدى بل كما أنه -سبحانه- لم يخلقهم عبثًا فبعث إليهم الرسل وأنزل معهم الكتب بالحق والهدى، فوجبت طاعته واتباع أمره؛ لكونه الخالق المالك المدبر الإله الحق، ولكون الإنسان والكون تحت هيمنته وقدرته المطلقة ومشيئته النافذة، ولغير ذلك من الأسباب ذات البراهين والأدلة الحقيقية الثابتة بالعقل والحس والفطرة.

وما دام الأمر بهذه المثابة فإن المؤمن يتلقى أمر اللَّه بالطاعة والتسليم والانقياد والقبول والمحبة؛ لأن في ذلك تحقيق لإنسانيته وعبوديته وسعادته في الدارين، فيقبل أمر اللَّه في الصلاة والجهاد والحكم والطهارة والطواف والسعي وغير ذلك؛ لأنها من شعائر اللَّه {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (١).

أمّا الكافر والمنافق فإنه يجحد وجود اللَّه تعالى كبرًا وتعسفًا ومغالطة، ويجحد الصلاة والشعائر والحكم بما أنزل اللَّه وغير ذلك من قضايا الإسلام، وفي حقيقة الأمر إن الملحدين أو المنكرين بما لديهم من شك لديهم بقعة عمياء ظلماء في عقولهم، أو بقعة مخدرة داخل أذهانهم تمنعهم من رؤية كل هذه البراهين، وتصور كل هذه الأدلة، وبالتالي ستصبح حياتهم عديمة المعنى، وليست تعيسة فحسب بل هم بمنطلق إلحادهم غير مؤهلين للحياة، بل غير مؤهلين للاتصاف بالعقل السليم، فكيف يصح بعد ذلك أن يحاكموا الرسل والرسالات على أساس من هذه العقول الكسيحة؟.

ولو ذهبنا نستطرد مع أدونيس وشياطينه الذين فرح بكلامهم من الملاحدة السابقين، لوجدناه يدور حول ما سبق ذكره من مغالطات، ويصل إلى هذه الهوة السحيقة من مناقضة للعقل (٢).


(١) الآية ٣٢ من سورة الحج.
(٢) انظر: الثابت والمتحول ٢/ ٧٦، ٧٧، ٧٨، ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٣، ٨٤، ٨٥ - ٨٧، ٣/ ٦٥، ١٣٧، ٢٣٥، ٢٣٧، ٢٥٦ - ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>