للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ختام كتابه أقر صراحة باعتناقه وتأييده وامتداحه للرازي الملحد جاحد النبوات، حيث يقول: (لقد نقد الرازي النبوة والوحي وأبطلهما، وكان في ذلك متقدمًا جدًا على نقد النصوص الدينية في أوروبا في القرن السابع عشر، أن موقفه العقلي نفي للتدين الإيماني، ودعوة إلى إلحاد يقيم الطبيعة والمحسوس مقام الغيب، ويرى في تأملهما ودراستهما الشروط الأول للمعرفة، وحلول الطبيعة محل الوحي جعل العالم مفتوحًا أمام العقل: فإذا كان للوحي بداية ونهاية فليس للطبيعة بداية ونهاية، إنها إذن خارج الماضي والحاضر: إنها المستقبل أبدًا.

لقد مهد الرازي وابن الراوندي للتحرر من الانغلاقية الدينية، ففي مجتمع تأسس على الدين، باسم الدين، كالمجتمع العربي، لابد أن يبدأ النقد فيه بنقد الدين ذاته، وطبيعي أن هذا النقد لا يجوز أن يكون هدفًا بذاته ولذاته، وإنّما يجب أن يكون وسيلة للهدف الأسمى: انعتاق الإنسان مما يغربه، انعتاقًا جذريًا وكاملًا) (١).

وهكذا يريد أدونيس أن يختط لحركة الثورة الحداثية منهجًا يقوم على الإلحاد تحت مسمى "انعتاق الإنسان مما يغربه" ليصل بالإنسان إلى ما يضلله ويجعله يعيش في حياة التيه والضياع (٢).

ولم يكتف أدونيس بهذا التنظير الإلحادي المعادي للرسل والرسالات،


(١) المصدر السابق ٢/ ٢١٤.
(٢) يقول أحمد كمال زكي في كتابه شعراء السعودية المعاصرون التاريخ والواقع ص ١٦: (وهذا الجيل الذي ذكرت فيه القصيبي ومحمد العلي ومسافر وسعد الحميدين لم يستطع كله أن يتخلص من تأثير على أحمد سعيد -أدونيس-، فمنهم من تأثر بموضوعاته تارة، ومنهم من قلدوا صياغته أو أسلوبه تارة أخرى. . .).
ومما يحزن حقًا أن يجد المتتبع أن مجموعة من الحداثيين المحليين غير هؤلاء شملتهم التأثيرات الأدونيسية، ومنهم الغذامي الذي سبق نقل ثنائه عليه، وعلي الدميني ومحمد الدميني ومحمد الحربي وخديجة العمري وفوزية أبو خالد وحزام العحيبي وأحمد بوقري وعبد اللَّه باهيثم وأسيمة درويش وغيرهم من جمهرة المحاكين لأدونيس ومنهجه الفكري.

<<  <  ج: ص:  >  >>