للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنها تتفاوت عمقًا وشمولًا بتفاوت الرائين، وأن بعضها تحدث في اليقظة ويصحبها البرحاء، التي هي انفصال عن العالم المحسوس، وهو في كل هذا يشبه جبران وأضرابه بما فيهم نفسه، بالأنبياء.

ثم يتحدث عن الرؤيا عند الصوفي الملحد ابن عربي وأنها نوع من الاتحاد بالغيب لخلق صورة جديدة للعالم، ثم يخلص من ذلك كله إلى أن الرؤيا الإشراقية عند هؤلاء أجمعين من ابن عربي ومن على شاكلته من الباطنيين إلى جبران، ومن على شاكلته من الحداثيين، تعني رفض الرائي عالم المنطق والعقل؛ لأن الرؤيا كشف وإزاحة لكل حاجز واختراق للواقع، ومن هنا لابد أن تكون معطياتها غامضة والغموض فيها شفاف، لا يتجلى للعقل أو المنطق التحليلي العلمي، وإنّما يتجلى بنوع من الكشف، ولذلك فالرؤيا إبداع والإبداع كشف وتجاوز، وتغيير مستمر، إلى آخر هذه الشبكة من المعاني التي يربطها بادعائه نبوة الحداثيين وباطنيتهم ورؤاهم وكشوفهم الشيطانية، وإبطال العقل والمنطق، وإزاحة الواقع واختراق المألوف، إلى آخر قضايا الحداثيين التي يرددونها بلا ملل، ويجعلونها من أسس منطلقاتهم.

ويستطرد أدونيس في توصيف هرطقات جبران وربطها بالنبوة والوحي {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (١).

وذلك في صدد حديثه عن الابتكار الذي يقتضي عنده الانفصال عن الماضي ثم يقول: (كل مبتكر في هذا المستوى، إنّما هو كالنبي "فجر لذاته" كما يعبر جبران) (٢).

وقد ذكرت آنفًا أن هذه الضلالة ينساق فيها ضمن سياق عقيدته الباطنية، إذ من المبادئ الأساسية في النظرية الشيعية عامة والباطنية خاصة،


(١) الآية ١١٢ من سورة الأنعام.
(٢) المصدر السابق ٣/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>