للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واكتشاف (١)، وهذا ما دفع أدونيس ليرى في جبران الخميرة الأولى للحداثة - الرؤيا (٢).

وقد ربط جبران وغيره بعد ذلك بين مفهوم "الرؤيا" ومفهوم النبوة والرسالة والوحي، لا من حيث حقيقتها الإسلامية المعروفة، بل من حيث معناها الحدائي الإلحادي المشوش المضطرب، مما جعل محمد جمال باروت وهو يتحدث عن خصائص أساسية لأحد الشعراء الحداثيين، ومنها: (الربط بين مفهوم "الرؤيا" ومفهوم "الرسالة والوحي" حيث ينظر إلى الشعر كـ "رسالة ووحي" لا يستوعبها إلّا النخبة المصطفاة. . . وذلك بالمعنى النبوي الاستكشافي للرسالة. . .

إن طموحه العظيم أن يكون نبيًا، كما كان جبران يرى في طموح الشرقي العظيم إلى الدرجة التي يحاول فيها محاكاة القرآن ويسمي قصائده بـ "السور" بل يسمي إحدى القصائد، بالتسمية القرآنية نفسها وهي "سورة القدر") (٣).

فمن جهة يقوم هؤلاء بجحد النبوة وإنكارها إذا جاءت بالمفهوم الصحيح من القرآن أو السنة أو كلام علماء الإسلام، ومن جهة يقومون بتبني النبوة في مدلول حداثي محرف ليصفوا بها الحداثة وأصحابها، تهوينًا للنبوة والأنبياء وتنزيلًا لدرجتهم، وتضخيمًا للتافهين والساقطين ورفعًا لمنزلتهم.

ويصف إحسان عباس أثر التصوف في الشعر الحديث قائلًا: (ومن يدرس الشعر الحديث لا تخطئ عيناه فيه اتجاهه إلى التصوف بقوة، حتى ليغدو الاتجاه الصوفي أبرز من سائر الاتجاهات في هذا الشعر -"ثم يؤكد مظاهر هذا التصوف ومنها"- الإحساس بالغربة والضياع والنفي، والحاجة


(١) و (٢) انظر: المصدر السابق: ص ١٧٧.
(٣) المصدر السابق: ص ٢٣٨. والحديث عن خير الدين الأسدي وديوانه أغاني القبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>