للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا يصدق على أدونيس والحداثيين قول العرب: (رمتني بدائها وانسلت) (١).

والمقصود أن الرؤية الحداثية تقوم على جحد الدين والفضيلة والدفاع عن الإلحاد والرذيلة، وتتبنى جهالاتها، ومن العجيب أنهم يجعلون ذلك نظرة عقلية ونزعة إنسانية طبيعية ومقولة علمية، تقوم على تقليد الإلحاد الغربي، كما وصف محمد جمال باروت في قوله: (تصبح الحداثة في هذا السياق وبما هي "نظرة إلى الوجود" أو "عقلية" حسب تعابير الخال، "ابيستميًا" أو نظامًا معرفيًا يجد مرجعه في "النزعة الإنسانية الطبيعية" أو "العلمية" على حد تعبير هنترميد، ويوجز "لامونت" هذه النزعة: "بأن الإنسان لا يحيا إلّا حياة واحدة. . . ولا يحتاج إلى ضمان أو دعامة من مصادر عالية على الطبيعية، وأن العالي على الطبيعية الذي يتصور عادة في شكل آلهة سماوية أو جنات مقيمة، ليس موجودًا على أية حال، ففلسفة النزعة الإنسانية تسعى على الدوام إلى تفكير الناس بأن مقرهم الوحيد هو هذه الحياة الدنيا، فلا جدوى من بحثنا في غيرها عن السعادة وتحقيق الذات، إذ ليس ثمة مكان غيرها نقصده، ولابد لنا نحن البشر من أن نجد مصيرنا وأرضنا الموعودة في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، وإلّا فلن نجدهما على الإطلاق" (٢).

بهذا المعنى فإن "المجتمع الحديث" الذي يعنيه الخال هو المجتمع الذي يقوم على "النظرة الإنسانية الطبيعية" التي تؤدي إلى مجتمع قائم على نظرة حديثة للحياة على العلم والتكنولوجيا" (٣) على حد تعبير الخال. . . ويعبر الخال عن هذه الإشكالية بقوله: "وإذا فقد الإنسان سندًا له في نظام


(١) مجمع الأمثال ٢/ ٢٣.
(٢) نقل باروت هذا النص من كتاب الفلسفة أنواعها ومشكلاتها لفؤاد زكريا، الطبعة الثانية: ص ٤٠٢ - ٤٠٣.
(٣) نقل باروت هذا النص من مقال ليوسف الخال بعنوان "نحو أدب عربي حديث" في مجلة أدب، المجلد الثاني، العدد الأول شتاء ١٩٦٣ م: ص ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>