للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن "العلمانية" في حقيقة معناها تعني "الدنيوية" أو "اللادينية" وجوهرها تأليه الإنسان والدنيا وجحد حق اللَّه تعالى في الحكم والطاعة، وهذا المعنى هو جوهر ما عناه باروت في النص السابق، وإن كان أولئك صرحوا بدهريتهم وإلحادهم وبعض العلمانيين لمحوا ولم يصرحوا.

إن الطبيعة المادية للفكر الحداثي والعلماني يقتضي حقيقة أن يكون أتباعه على هذه الدرجة من الخرافة والجاهلية، مع تفاخر بالانحدار والتردي وسخرية بالحق وأهله، وهم في ذلك على نهج أسلافهم من الكفار الأوائل كما أخبر سبحانه وتعالى عنهم في قوله -جلَّ وعلا-: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥)} (١).

وهؤلاء وهؤلاء يصدق عليهم قول اللَّه -جلَّ وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)} (٢).

وعلى كل حال فليست الحداثة بمدارسها العديدة ولافتاتها المتنوعة إلّا صورة من صور الكفر القديم في ثوب جديد وبعبارات حديثة، والأغرب والأعجب في شأنها أنها وهي في أسفل دركات التخلف والجهل والضلال يسميها أصحابها "نزعة إنسانية" و"نظرة علمية عقلية" و"نظامًا معرفيًا" إلى آخر هذه الألقاب الجوفاء المفخمة، التي إن دلت على شيء فإنّما تدل على إفلاس أصحابها من الحقائق والبراهين، وانتفاخهم بأورام الدعاوى الكاذبة.


(١) الآيات ٧٣ - ٧٥ من سورة مريم.
(٢) الآيتان ٧ - ٨ من سورة يونس.

<<  <  ج: ص:  >  >>