من لحظة الموت، وينتهي في الدار الآخرة، وعالم الموت وعالم الآخرة كلاهما من غيب اللَّه، وكلاهما يمتد فيه الوجود الإنساني في صور لا يعلمها إلّا اللَّه.
وتمتد الحياة في حقيقتها، فتشمل هذا المستوى المعهود في الحياة الدنيا، إلى تلك المستويات الجديدة في الحياة الأخرى. . في الجنة وفي النار سواء. . وهي ألوان من الحياة ذات مذاقات ليست من مذاقات هذه الحياة الدنيا. . ولا تساوي الدنيا -بالقياس إليها- جناح بعوضة.
والشخصية الإنسانية -في التصور الإسلامي- يمتد وجودها في هذه الأبعاد من الزمان، وفي هذه الآفاق من المكان، وفي هذه الأعماق والمستويات من العوالم والحيوات. . ويتسع تصورها للوجود كله، وتصويرها للوجود الإنساني، ويتعمق تذوقها للحياة، وتكبر اهتماماتها وتعلقاتها وقيمها، يمتد ذلك الامتداد في الأبعاد والآفاق والأعماق والمستويات. . بينما أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة، يتضاءل تصورهم للوجود الكوني، وتصورهم للوجود الإنساني، وهم يحشرون أنفسهم وتصوراتهم وقيمهم وصراعهم في ذلك الجحر الضيق الصغير الضئيل من هذه الحياة الدنيا.
ومن هذا الاختلاف في التصور يبدأ الاختلاف في القيم، ويبدأ الاختلاف في النظم. . . ويتجلى كيف أن هذا الدين منهج حياة متكامل متناسق، وتبيين قيمة الحياة الآخرة في بنائه: تصورًا واعتقادًا، وخلقًا وسلوكًا وشريعة ونظامًا.
إن إنسانًا يعيش في هذا المدى المتطاول من الزمان والمكان والعوالم والمذاقات، غير إنسان يعيش في ذلك الجحر الضيق ويصارع الآخرين عليه، بلا انتظار لعوض عما يفوته، ولا الجزاء عما يفعله وما يفعل به. . إلّا في هذه الأرض ومن هؤلاء الناس.
إن اتساع التصور وعمقه وتنوعه ينشيء سعة في النفس وكبرًا في الاهتمامات ورفعة في المشاعر، ينشأ عنها هي بذاتها خلق وسلوك، غير