خلق الذين يعيشون في الجحور وسلوكهم، فإذا أضيف إلى سعة التصور وعمقه وتنوعه، طبيعة هذا التصور، والاعتقاد في عدل الجزاء في الدار الآخرة، وفي ضخامة العوض عما يفوت ونفاسته، استعدت النفس للبذل في سبيل الحق والخير والصلاح الذين تعلم أنه من أمر اللَّه، وأنه مناط العوض والجزاء، وصلح خلق الفرد واستقام سلوكه -متى استيقن من الآخرة كما هي فى التصور الإسلامي- وصلحت الأوضاع والأنظمة، التي لا يتركها الأفراد تسؤ وتنحرف، وهي يعلمون أن سكوتهم على فسادها لا يحرمهم صلاح الحياة الدنيا وحدها وخيراتها ولكنه يحرمهم كذلك العوض في الآخرة، فيخسرون الدنيا والآخرة) (١).
أين هذا التصور الشامل العميق من التصور الذي تحدث عنه إحسان عباس، في حديثه عن الموقف من الزمن؟.
فإنه إضافة إلى ارتمائه خلف المفهوم الجاهلي للزمن، افترى على التصور الإسلامي، حين صوره بتلك الصورة المقتبسة من التصور الغربي للدين، وهو تصور يقوم على خلفيات تاريخية وصراعات فكرية وانحرافات كنيسية، أدت إلى هذه النتائج!!.
وفي غمرة الاستلاب والغزو الثقافي والجهل الاعتقادي أخذ أبناء المسلمين هذه التصورات الغربية عن الدين فطبقوها -بتبعية حمقاء- على دين الإسلام.
وما قول إحسان عباس عن الزمن في الحضارة الإسلامية وأنه عبارة عن دورات محدودة الأمد يتخللها نظرة رجوعية إلى الماضي، إلّا أحد الأمثلة على التقليد والمحاكاة لأفكار الغرب وعقائده وتصوراته.
ولو كان الرجل متحرر الفكر كما يدعي لما استأسر لهذه المقررات الغربية وانقاد لها انقياد التابع الضعيف، وليس هذا خاصًا به بل كل أتباع المنهج العلماني والحداثي على هذا المنوال.