ادعائهم الإسلام- فإنّما هم يصنعون ذلك كله أو بعضه؛ لأن تصورهم للإسلام قد فسد وانحرف؛ ولأن يقينهم في الآخرة قد تزعزع وضعف! لا لأنهم يدينون بحقيقة هذا الدين، ويستيقنون من لقاء اللَّه في الآخرة، فما يستيقن أحد من لقاء اللَّه في الآخرة، وهو يعي حقيقة هذا الدين، ثم يعيش في هذه الحياة سلبيًا أو متخلفًا، أو راضيًا بالشر والفساد والطغيان) (١).
وفي هذا رد على الافتراء الجاهلي الحداثي الذي ردده إحسان عباس وجابر عصفور وغيرهما ممن انطمست بصائرهم وغطت شبهات الجاهلية المعاصرة على عقولهم، فأصبحت لا تتسع تصوراتهم وعقولهم وقلوبهم لليقين بحياة خلف هذه الحياة الزائلة (وكان العرب في جاهليتهم -وبسبب من هذه الجاهلية- لا تتسع آفاقهم التصورية والشعورية والفكرية للاعتقاد في حياة أخرى غير هذه الحياة الدنيا، ولا في عالم غير هذا العالم الحاضر، ولا في امتداد الذات الإنسانية إلى آماد وآفاق وأعماق غير هذه الآماد المحسوسة. . مشاعر وتصورات أشبه شيء بمشاعر الحيوان وتصوراتهم. . شأنهم في هذا شأن الجاهلية الحاضرة "العلمية" كما يصر أهلها على تسميتها!.
"وقالوا: إن هي إلّا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين" وكان اللَّه -سبحانه- يعلم أن الاعتقاد على هذا النحو يستحيل أن تنشأ في ظله حياة إنسانية رفيعة كريمة. . هذه الآفاق الضيقة في الشعور والتصور التي تلصق الإنسان بالأرض، وتلصق تصوره بالمحسوس منها كالبهيمة. . وهذه الرقعة الضيقة من الزمان والمكان، التي تطلق السعار في النفس، والتكالب على المتاع المحدود، والعبودية لهذا المتاع الصغير، كما تطلق الشهوات من عقالها تعربد وحدها بلا كابح، ولا هدنة، ولا أمل في عوض، إن لم تقض هذه الشهوات الهابطة الصمغيرة، التي لا تكاد تبلغ نزوات البهيمة! وهذه الأوضاع، التي تنشأ في الأرض منظورًا فيها إلى هذه الرقعة الضيقة من الزمان والمكان، بلا عدل ولا رحمة، ولا قسط ولا ميزان. . . إلّا أن يصارع الأفراد بعضهم بعضًا، وتصارع الطبقات بعضها بعضًا، وتصارع الأجناس بعضها بعضًا. . . وينطلق