للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكل في الغابة انطلاقًا لا يرتفع كثيرًا على انطلاق الوحوش والغيلان! كما نشهد اليوم في عالم "الحضارة" في كل مكان. . كان اللَّه -سبحانه- يعلم هذا كله، ويعلم أن الأمة التي قدر أن يعطيها مهمة الإشراف على الحياة البشرية، وقيادتها إلى القمة السامقة التي يريد أن تتجلى فيها كرامة الإنسانية في صورة واقعية. . أن هذه الأمة لا يُمكن أن تؤدي واجبها هذا إلّا بأن تخرج بتصوراتها وقيمها من ذلك الجحر الضيق إلى تلك الآفاق والآماد الواسعة. . من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

ولهذا كان ذلك التوكيد على حقيقة الآخرة. . أولًا لأنها حقيقة، واللَّه يقص الحق، وثانيًا لأن اليقين بها ضرورة لاستكمال إنسانية الإنسان: تصورًا واعتقادًا، وخلقًا وسلوكًا وشريعة ونظامًا) (١).

من هنا يُمكن أن نتبين الفرق الهائل والبون الشاسع بين عقيدة أهل الإسلام وعقيدة أهل الإلحاد والمادية، فرق في التصور والشعور والفكر والاعتقاد والأعمال والعلاقات والمناشط، فرق بين حياة الإنسان المكرم والحيوان المهان، وفرق بين التصور القائم على الحق واليقين والموصل إلى الخير والصلاح، والتصور القائم على الجحد والنكران والموصل إلى الخسارة والضياع.

وإذا أردنا تصور بعض تفاصيل هذا الفرق بين التصورين فلنقرأ التحليل النقدي الحداثي الذي صاغه إحسان عباس في القصل المسمى "الموقف من الزمن" سواء في المقدمة التي قدم بها ونقلنا مقاطع منها أو في الدراسة التي أجراها لقصيدة "نهر الرماد" لخليل حاوي ولقصيدة "في المغرب العربي" للسياب، ولمقاطع لنازك الملائكة التي يرى إحسان عباس أنها في كلامها: (تنتقل من الفكرة الميتافيزيقية للزمن) (٢)، وأن (. . . الأمس في شعر نازك -في أغلب المواقف- ميت "جثة الماضي الغريق"، لا يُمكن إحياؤه أو بعثه) (٣).


(١) المصدر السابق ٢/ ١٠٧٠ - ١٠٧١.
(٢) اتجاهات الشعر العربي المعاصر: ص ٧٥.
(٣) المصدر السابق: ص ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>