للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سجن متعدد الجدران، ابتداء بهذه الجبرية المادية التي وضعوها في عقولهم، ومرورًا بالحتميات المادية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو طبقية، وانتهاء بسجون النظم والمذاهب والشهوات والشبهات، فهم في غيهم يضطربون وفي ظلامهم يعمهون {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)} (١).

وأدلة هذه الظلمات التي يعيشونها ويقولونها كثيرة في أعمالهم، وهنا سوف أسرد جملة من الشواهد على زعمهم أبدية الدنيا أو بعض ما فيها، فمن ذلك قول أدونيس الذي نقلناه آنفًا حيث جعل من عيوب المجتمع العربي الإيمان بالآخرة لا بالدنيا (٢)، وجعل من عيوب التراث امتلاؤه وارتباطه بالإيمان بالآخرة (٣).

وله في هذا الإطار إيماءات عديدة منها المقاطع التي سماها "قصائد لا تنتهي" (٤) وهو تعبير يتفق مع عقيدة اللادينية الدنيوية، حيث يتضمن هذا التعبير الوهم القائل بخلود الشعر الحديث والشاعر الحداثي، خاصة إذا أخذ في سياق عقيدته الجاحدة للآخرة والمؤمنة بالدنيا فحسب.

ومن تعبيراته الدنيوية الدهرية قوله تحت عنوان "مزامير الإله الضائع":

(هذا الجسد

سحر أغوى الأرض


(١) الآيتان ٣٩ - ٤٠ من سورة النور.
(٢) انظر: زمن الشعر: ص ٦٧.
(٣) انظر: المصدر السابق: ص ٢٧٧.
(٤) الأعمال الشعرية الكاملة ١/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>