للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحسب ميزانه الجاهلي- عن دهرية اعتقادية وذلك من خلال رؤيته للعالم في صورته الأبدية، وهو تعبير مادي دهري ليس إلّا.

ومن مقتضياته اعتقاد التسلسل المادي إلى ما لا نهاية وذلك في اعتقاده الدلالة المتولدة باستمرار، وهو أصل من أصول الحداثة يقوم على هذه الفكرة، ويعبرون عنها بالصيرورة الدائمة، والتقدم المستمر والتواصل الدائم، وأبدية الحداثة والإبداع، واللاثبات، إلى غير ذلك من العبارات القائمة على مناهج فكرية قوامها التطور المطلق، وهي عقيدة مرتبطة باعتقاد أبدية الحياة الدنيا واستحالة الحياة الآخرة، والسخرية من كل عقيدة تقول بزوال الدنيا أو مجيء الآخرة، والتطور المطلق أساس من الأسس الحداثية ومنطلق للمذاهب الفكرية المادية (ومن هذه النقطة تدافعت كل النظريات والمذاهب الحديثة، وفي مقدمتها التفسير المادي للتاريخ ونظرية فرويد في النفس والجنس، ومفهوم العلوم الاجتماعية في الفصل وفي إلغاء ثبات الأخلاق وظهور مفاهيم الوجودية والهيبية) (١).

أساس هذه العقيدة الجاهلية هو اعتقاد أصحابها أن المادة ليست شيئًا أكثر من وجودها الخارجي المتمثل في ظاهراتها المتحركة المتغيرة، فهو عندهم الجوهر والماهية في الوقت نفسه، مع العلم بأن ظاهرات المادة ليست أكثر من آثار وخصائص لها، فإذا كانت كذلك -وهي في الحقيقة كذلك- فلابد من اليقين بوجود المؤثر، وكذلك لو قلنا بأن هذه الظاهرات هي أشكال للمادة فلابد من اليقين عندئذٍ بوجود أرضية أو موضوع لهذه الأشكال، ثم إن انحصار ظاهرات كل نوع من أنواع المادة ضمن نطاق لا تتعداه شيء واضح وملموس، وهذا ما يجعلنا على يقين بأن المادة وظاهراتها تمارس حركتها وهي محصورة في قبضة لا يُمكن أن تتجاوزها، وهذه القبضة المحكمة هي التي تمنع ظاهرات المواد وخواصها المتنوعة المختلفة أن تمتزج وتتشابك، وهذه القبضة الحاكمة موجودة يحكم أثرها الواضح (٢)، إذن فلا سرمدية


(١) أخطاء المنهج الغربي الوافد لأنور الجندي: ص ٤١.
(٢) انظر: نقض أوهام المادية الجدلية للبوطي: ص ١١٢ - ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>