وخلاصة القول: إن عقيدة القضاء والقدر جزء أصيل من عقيدة المسلم، وهذه العقيدة في صورتها الصحيحة التي جاء بها الكتاب العظيم والسنة المطهرة وسار عليها السلف الصالح؛ تمثل محور توازن وشمول في حس المسلم؛ ذلك أنها مرتبطة بعقيدة المسلم في اللَّه تعالى الإله الخالق المتصف بصفات الكمال -جلَّ وعلا- ومن أصول هذه العقيدة أنه لا يُمكن أن يقع في ملك اللَّه ما لم يقدره اللَّه.
وعقيدة القدر كما هي عند المسلم الحق نقطة توازن مهمة، فهو يشعر بعظمة اللَّه وقدرته على كل شيء، ويؤمن بأنه لا يجري شيء إلّا بمشيئته سبحانه، ولكنه مع هذا الشعور والإيمان لا ينزوي في سلبية وتقاعس عن العمل والإبداع والإنجاز، كما أن شعوره بقدرته على العمل والإنجاز وحريته في الاختيار، ورؤيته نتاج عمله الفكري أو الجسمي، لا ينتهي به إلى تأليه نفسه وطغيان ذاته، واستكباره عن ربه بما يرى من فاعلية وإنتاج، كما أنه في إيمانه بهيمنة اللَّه على كل شيء وكينونة كل شيء بأمره ومشيئته لا ينتهي به إلى نسيان الأسباب وإهمالها، واطراح السنن الإلهية التي أودعها في الكون والحياة والإنسان، وفي الوقت نفسه حين يشعر باستمرار هذه السنن وانتظامها لا يصل به هذا الشعور إلى نسيان قدر اللَّه تعالى أو تجاهله اعتمادًا على الأسباب أو اتكالًا على السنن الكونية، على اعتبار أنها قوانين حتمية لا بد أن يصل فيها السبب إلى النتيجة على كل حال، بل المسلم الحق يعمل بالأسباب معتمد القلب على اللَّه رب الأسباب.
وقد انحرفت طوائف من الناس في القدر، منهم من هو من أهل القبلة، ولكن ضلّ وابتدع بنفي القدر أو بالجبر أو بالزعم أن الأمر أنف، أو بنفي خلق اللَّه لأفعال العباد، أو بنسبة الأفعال الإرادية إلى القدر دون المقدر، أو بتسويغ المعاصي احتجاجًا بالقدر، وترك العمل والكسب اتكالًا على القدر، وغير ذلك من أفواع الضلال الذي وقعت فيه طوائف من أهل الإسلام.