للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كله بكل ألوانه وأشكاله ومسمياته، وأن يجتنبوا الزور كله، وأن يستقيموا على التوحيد الخالص النقي الطاهر القويم: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (١)، ثم يبين تعالى صورة الذي ينحدر من أفق التوحيد إلى درك الشرك، فإذا هو ضائع، ذاهب بددًا كأن لم يكن من قبل أبدًا {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (٢)، وهي صورة صادقة حقيقية لحال المشرك والملحد والمادي حين يهوي من الأفق الإيماني العالي إلى سفوح الفناء والانطواء والخذلان والوهن؛ وذلك لأنه فقد -باختياره- القاعدة الثابتة اليقينية، قاعدة التوحيد، وافتقد بسبب كفره وإلحاده وعلمانيته المستقر الآمن، فتخطفته الأهواء والشبهات، كما تخطف الجوارح المفترسة بغاث الطير، وتتقاذفه الأوهام والجهالات تفاذق الريح بالريش والورق اليابس، فتراه لا يمسك بعروة وثقى ولا يستقر على قاعدة ثابتة (٣).

والمتأمل في أحوال وأعمال وأقوال هؤلاء الحداثيين يجد أنهم أحق الناس بهذه الأوصاف التي ذكرها اللَّه الخبير العليم، فهم في نجاسة هذه العقائد النتنة يتقلبون، وبأقوال الزور والكذب يجأرون، وفي مهاوي الضلالات والجهالات يرتعون، فالحمد للَّه على نعمة الإسلام ونعمة العقل.

ولا أدل على مقدار الهوان الاعتقادي والعملي الذي تردى فيه المعنيون بهذا البحث من قضية القضاء والقدر، فقد استيقظت طاقاتهم في ظلمات الإلحاد والشك والشرك، فكانوا بمثابة الديدان التي تتغذى وتعيش وتتحرك في الجيف.

ومن نتائج هذه الطاقات ما نقرؤه في نتاجهم من انحرافات متراكمة وظلمات متلاطمة.


(١) الآية ٣١ من سورة الحج.
(٢) الآية ٣١ من سورة الحج.
(٣) انظر: في ظلال القرآن ٤/ ٢٤٢١ - ٢٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>