للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فها هم بعد أن اشتروا ضلالة الإلحاد واستنبتوها في سويداء قلوبهم السوداء فرغوا عليها ضلالات آخر منها -ما نحن بصدده الآن- نفي قدرة اللَّه تعالى، ونفي وجود قدرٍ قدّره اللَّه وقضاه، وزعمهم أن قضية القضاء والقدر مجرد خرافة ودجل وكذب.

ولا ريب أن مناقشة هؤلاء في هذه المسألة فيه فائدة إبطال زيفهم وكشف زورهم وكذبهم، وإن كانت القضية الأولى بالنقاش معهم هي وجود اللَّه تعالى وألوهيته، فإنهم بجحدهم ربوبية اللَّه جحدوا قَدَرَه؛ وبجحدهم ألوهيته جحدوا حقه في الطاعة والتشريع، وبجحدهم أسماءه وصفاته جحدوا علمه وقدرته ومشيئته.

إن المنهج الذي يحكم تفكير هؤلاء منهج مادي إلحادي وهو الذي يحدد موقفهم من المنهج النقيض منهج الإيمان والتوحيد.

والذين يرتكزون في عقيدتهم وفكرهم على القيم المادية والمعطيات المادية، ويغفلون القيمة الكبرى الأساسية في حياة الإنسان "قيمة التوحيد والإيمان" هم أعداء للبشربة، لا يريدون لها أن ترتفع عن مستوى الحيوان وعلى مطالب الحيوان.

وهم حين يطلقون آراءهم الجاهلية في عقيدة الفوضى التي يعتنقونها، عقيدة جحد القدر يهدفون من وراء ذلك إلى القضاء على قيم الإيمان وعقيدة الإسلام التي تعلق قلوب الناس بما هو أرفع من مطالب الحيوان -دون أن تغفل أو تنسى ضروياتهم وحاجياتهم الأساسية- بل تجعل لهم مطالب أرقى وأشرف إلى جوار المطالب المادية التي يحتاجها الإنسان، والتي إذا اقتصر عليها ضاهى الحيوان وأشبهه.

وهذا الصراخ المستمر الذي تطلقه الحناجر المادية العلمانية والحداثية وغيرها ليس صراخًا بريئًا أو حياديًا أو موضوعيًا، بل هو خطة مقصودة لإقامة أصنام حديثة تعبد بدل أصنام الجاهلية الأولى وتكون لها السيادة العليا على قيم الحق والخير والفضيلة.

وعندما تصبح المادية صنمًا يكدح الناس حوله ويطوفون به في قداسة

<<  <  ج: ص:  >  >>