للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى فترة زاهية من فترات التاريخ. . وهم بجهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يحرمون البشرية التطلع إلى المنهج الوحيد الذي يُمكن أن يقود خطاها إلى السلام والطمأنينة، كما يقود خطاها إلى النمو والرقي، ونحن الذين نؤمن بهذا المنهج نعرف إلى ماذا ندعو، إننا نرى واقع البشرية النكد، ونشم رائحة المستنقع الآسن الذي تتمرغ فيه، ونرى هنالك على الأفق الصاعد راية النجاح تلوح للمكدوديين في هجير الصحراء المحرق، والمرتقى الوضيء النظيف يلوح للغارقين في المستنقع، ونرى أن قيادة البشرية إن لم ترد إلى هذا المنهج فهي في طريقها إلى الارتكاس الشائن لكل تاريخ الإنسان، ولكل معنى من معاني الإنسان!) (١).

أمَّا أوعية التلقي المادي من أبناء البلاد الإسلامي من علمانيين وحداثيين ووجوديين وغيرهم، فإنهم يأبون إلّا أن يكونوا نسخًا مكرورة للأرجاس الوثنية المادية المعاصرة، وصورًا منسوخة عن الانحرافات الضلالية الحديثة، فها هو أحدهم في كتابه "بحثًا عن الحداثة" يقول: (في الخرافة يتجلى ثاني أساسيات الثقافة العربية بوصفه تفسيرًا للفاعلية وتعليقًا لها على وجود آخر غير منظور، وتنتشر تمثلات الخرافة تحت شتى المسميات، فهي القدر مرة، وهي الشيطان أو الكائنات الأسطورية مرة أخرى. . .) (٢).

وليس جديدًا أن تصبح الدعاوى الإلحادية الكفرية حقًا وحقيقة عند أصحابها، وتصبح الحقائق اليقينية خرافة ووهمًا، فقد دأب على ذلك جميع الجاهليين القدماء والمحدثين {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} (٣).

ومن هذا التكذيب زعمهم أن الغيب خرافة والقدر خرافة، وهم لم يحيطوا بعلم ما كذبوا به بل هم في غاية الجهل والتجاهل، مع تطاول وتعالم وادعاء بأنهم أصحاب العقول والنظر والمنطق، ولا جرم أنهم أبعد


(١) في ظلال القرآن ١/ ٤٤٠ - ٤٤١.
(٢) بحثًا عن الحداثة لمحمد الأسعد: ص ٦٦.
(٣) الآية ٣٩ من سورة يونس.

<<  <  ج: ص:  >  >>