للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان أدونيس وأمثاله من أجهزة الاستقبال الحداثي العلماني المادي؛ يرون أن الفهم الأعمق للحياة هو باطراح الإيمان ونفي القضاء والقدر وجعل القيم الدينية مجرد خرافة؛ يرون ذلك ويعتقدونه رضوخًا للفلسفة المادية التي اعتنقوها، وإرضاء لمعلميهم من أساتذة وفلاسفة الغرب.

إذا كانوا كذلك فإننا نجد من مفكري الغرب ومجربيه من يرى السقم والمرض والانهيار والتخلف في نسيج الحياة الغربية، ومن يرى أن حياة المسلمين البسطاء فيها من دواعي الطمأنينة والسعادة ما ليس في ثقافة وقيم الحياة الغربية.

يقول مؤلف كتاب "إنسانية الإنسان": (أصبحت المدن العصرية، بخاصة الحواضر الأميركية الضخمة كابوسًا مزعجًا لأنها تفشل باطراد في توفير محيط مرض للحاجات غير المتغيرة في طبيعية الإنسان البيولوجية، ولتطوره الثقافي. . .) (١).

ويقول: (بحب اعتبار أكثر الناس في بلاد المدنية الغربية -وبخاصة أمريكا اليوم- من الجانحين لأنهم يتصرفون وكأنّما المقياس الوحيد لسلوكهم هو إرضاء رغباتهم ودوافعهم الغريزية الآتية دون النظر لعواقب ذلك. . .) (٢).

وعندما يتحدث عن حرية الإنسان والإرادة الحرة يبين أنه لا توجد إرادة حرة طليقة بل لا بد من ضوابط تحديدية كونية وعضوية لا يُمكن للإنسان أن يخرج عنها، وهو لا يتحدث في هذا من فراغ بل هو أخصائي كبير في علم الحياة "البيولوجيا" وحاصل على جائزة نوبل في العلوم سنة ١٩٧٦ م/ ١٣٩٦ هـ.

ومع كونه يعتقد بخرافة "دارون" لكنه توصل إلى حقيقة وجود ضوابط تحديدية لا يُمكن للإنسان أن ينفك عنها، وهذه الضوابط التي يطلق عليها "التحديدية الجبرية" هي ما يُمكن أن يسمى في دين الإسلام "القضاء والقدر"


(١) إنسانية الإنسان لرينيه دوبو: ص ٢٤٨ تعريب نبيل الطويل.
(٢) المصدر السابق: ص ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>