للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على يد الفرنسيين في اعتزاز مهين، ثم يقارن ذلك بثقافته التي نشأ عليها في بلاد المسلمين في انتقاد موجع، فيقول: (انطبعنا على تحديد للإنسان، ضيق متحجر، فنحن من خلق اللَّه وما جاد به الخالق يسيره القدر، أي اللَّه) (١).

وقد سبق نقل كلام جابر عصفور، الذي نعت القدر الذي يؤمن به أهل الإسلام بأنه (جبر ميتافيزيقي يجعل الزمن الدائري هابطًا أبدًا. . .) (٢).

ثم يواصل جاعلًا الإيمان بالقدر مهانة وتخلفًا وانحدارًا، فيقول: (وإذا كان الإنسان مخلوقًا واهيًا لا يفارق تكوينه قدرية مساره، ولا يفارق مساره جبرية انقياده، فلا سبيل أمامه سوى أن يسلّم زمامه إلى غيره متبعًا، مقلدًا، فقدره المقدورد في زمانه المحتوم لا يعني سوى الوصاية الدائمة على فعله، والتحديد المسبق لمسار قدرته، والتوجيه القبلي لحركة عقله، على نحو يغدو معه هذا الإنسان سجينًا متعدد السجون حركته اتباع لما ليس اختياره، وإبداعه تقليد لما ليس من صنعه) (٣).

ولو أردنا أن نسأل جابر عصفور الذي أطلق هذه العبارات المليئة بالاعتراض والذم للإسلام عامة ولعقيدة القضاء والقدر خاصة؛ أن نسأله عن نفسه باعتباره أحد أتباع الفكر الغربي المادي، إلى أي مدى انساق في مساره الفكري نحو الغرب؟ وإلى أي حد وصل عمق الوصاية الفكرية الغربية المادية على عقله؟ وإلى أي نهاية وصلت به الاتجاهات العقلية المستأسرة للغرب؟.

أليست هذه هي السجون الحقيقية التي وضع نفسه فيها؟

أمَّا آفاق الإيمان والتوحيد والحق والخير والفضيلة فإنه لا يبصرها؛ لأن الطرف الأعمى لا يبصر الشمس، والعقل الضعيف لا يدرك إلّا بعض المحسوسات، فلا سبيل أمامه إزاء هذه المقولات المادية التي يتشدق


(١) رأيهم في الإسلام: ص ١٥٥.
(٢) و (٣) الإسلام والحداثة: ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>