الإمّعات، وجدت عجبًا من أسواق جاهلية تتسمى باسم الثقافة والفن في هيئة ندوات وأندية ومجلات ومؤتمرات ومناهج ومذاهب وأنظمة، ليس فيها ومعها إلّا الأمل القاتل، يلوح لهم ويشغلهم بالأطماع الكاذبة، ويملي لهم فيحسبون أنهم قد رسخوا في الأرض إلى الأعماق، وأنهم اجتثوا شجرة الإسلام العريقة، وأنهم محصلون ما يطمعون إليه لا يردهم عنه راد، ولا يمنعهم عنه مانع، ولذلك قال اللَّه تعالى عنهم:{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ويكتشفون وهم في غاية الحسرة والذل أن آمالهم الرمادية تلاشت وطموحاتهم السرابية تبددت، ولكنهم لا يعلمون ذلك إلّا بعد فوات الأوان.
ويصل خطاب الحداثة إلى تخوم الوثنية الجاهلية حين يصور أنه بمستطاع الحداثي الجاهلي المعاصر أن يتجاوز حقائق الكون الكبرى، ويتخطى نواميس الحياة التي وضعها خالق الحياة، فهم بمثابة الصغير الذي يخيل له أنه بتحريك يديه كهيئة الطير يستطيع أن يبلغ الآفاق، وما لهم من مغزى إلّا محاربة الدين القويم بأي شكل من الأشكال ولو أظهر ذلك في عته فكري أو تخلف عقلي.
(وكم صدوا عن سبيله صدًا، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟ واعترضوه بالألسنة ردًا، ولعمري من يرد على اللَّه القدر؟. وتخاطر له بسفهائهم كما تخاطرت الفحول بأذناب، وفتحوا عليه من الحوادث كل شدق فيه من كل داهية ناب، فما كان إلّا نور الشمس: لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لا يضع منه قطرة في سقائه، ويلقي الصبي غطاءه ليخفيه بحجابه ثم لا يزال النور ينبسط على غطائه)(١).
وأمثل نص يصور هذه الحقيقة ما قاله جابر عصفور: (ومن اللافت للانتباه أن الخطاب المعادي للحداثة لا يصل إلى ذروته وأقصى عنفه إلّا إزاء النص الشعري، الذي يعبث بتصوراته النقلية عن الإنسان، أعني النص الشعري الذي يحرك الرعب الاجتماعي من الحداثة، وينطق رفض المقولة