للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جنس هذه الأقوال التي يزعمون فيها أنهم بالوثنية الحداثية قادرون على نفي القدر وإبعاده بقدر حداثي، يستطيع تغيير مجرى القدر المكتوب، والقضاء الكوني الكائن، قول جابر عصفور السابق نقله في سياق امتداحه لمقطوعة حداثية لأحد أتباع الحداثة المحليين، يقول عصفور: (النص الشعري الذي يحرك الرعب الاجتماعي من الحداثة، وينطق رفض المقولة المضمنة عن الإنسان المجبور، فيفجر صورة الإنسان الخانع، الراضي بما قسم له، ويستبدل بها صورة إنسان آخر، مختار، مريد، قلق، متوهج برغبته في التجاوز متلهب بحلمه في الصعود إلى ما ينفي به جبرية سجنه في طقوس القدر) (١).

وفي وقفة سريعة مع هذا الادعاء الضخم الذي طالما تشدق به الحداثيون في مقولاتهم وكرروه حتى الإملال، يُمكن القول بأن زعمه بأن النص الحداثي الشعري يرفض مقولة الإنسان المجبور، وهو يعني بذلك -حسب فهمه الجاهلي- الإيمان بالقضاء والقدر، وتجاوزًا لهذه الفرية، نقول بأن الحداثي قد أدخل نفسه في إطار من الجبرية الفكرية والسلوكية، لا ينفك يردد عباراتها مثل حتمية التطور والتقدم، وحتمية التجديد والتحديث، وحتمية صراع الطبقات، وغير ذلك من الحتميات الجبرية التي التزموا بها وأثرت فيهم غاية التأثير، وأعظم حتمية جبرية أخذتهم إلى مسارات لازمة، قولهم بنفي وجود اللَّه تعالى، أو قولهم بنفي ألوهيته، وهم يظنون بناء على هذه الحتميات أن ذلك هو أساس التقدم والنمو والازدهار!!.

وقوله بأن الشعر الحداثي يفجر صورة الإنسان الخانع قول مفترى، إلّا فيما يخص خضوع الإنسان لربه وخالقه وإلهه وهاديه، وهذا هو مراده من هذا القول القبيح وهو مراد أصيل لجميع الحداثيين، بيد أنهم لم ينفكوا عن الخنوع والخضوع، فلقد خنعوا لإفرازات المذاهب الأرضية، وخضعوا للتصورات الجاهلية، وقائل هذا النص من أوضح الأدلة على ذلك، فهو لم يَعْدُ قدْرَه في تقليد ومحاكاة أساتذته العلمانيين والماديين، ولم يتجاوز


(١) الإسلام والحداثة: ص ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>