للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذاهبهم وآراءهم إلّا بمقدار ما يسمح التابع للمتبوع، ولكن الاستكبار الجاهلي يغطي على عيونهم وبصائرهم، فيحسبون أنهم على شيء وليسوا إلّا على أكوام من الرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} (١).

أمَّا قوله عن الإنساني الحداثي بأنه مختار مريد قلق متوهج برغبته في التجاوز الفكري فهذا مثال لاختياره ضمن إطار التابع والمتبوع، والغالب والمغلوب، أمَّا أنه مريد، فنعم يريد الشر والرذيلة والجاهلية فهو إذن "مريد" تمرد على الحق والخير والهدى، واستلقى تحت أقدام أسياده متوهج برغبته في التجاوز!!.

نعم تجاوز حدود العقل بالفوضوية الفكرية، وحدود المنطق بالعشوائية المنهجية، وحدود الحق بالأباطيل الجاهلية، وحدود الفضيلة بالرذائل الخلقية.

قال ربنا -جلَّ وعلا-: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (١٤٦)} (٢).

وهل هناك أعظم من الغي الذي يجعل غاية منهجه ومسعاه الصعود إلى ما ينفي به سجنه في طقس القدر؟ -حسب قول جابر عصفور في النص السابق- أو قوله في نص آخر عن الإنسان الجديد الذي سيكون في مواجهة صدامية حتمية مع القدر (٣)؟ {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} (٤).


(١) الآية ٢١ من سورة الفرقان.
(٢) الآية ١٤٦ من سورة الأعراف.
(٣) انظر: الإسلام والحداثة: ص ١٩٤.
(٤) الآية ٥٦ من سورة غافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>