هذا المخلوق الضعيف يزعم أنه يصادم القدر، وهذه الآية أوضح تصوير لهذا الذي ينسى أنه كائن صغير لا يستمد وجوده ولا حياته من قوته وذاته، ولكنه حين ينفصل عن منهج اللَّه ودين اللَّه وينقطع اتصاله بالحق المبين والهدى المستبين تراه ينتفخ ويتورم ويتشامخ ويتعالى في كبر وصلف أجوف، مقلدًا أستاذه الأول إبليس الرجيم الذي تكبر على أمر اللَّه فأناله اللَّه خزي الدنيا والآخرة، وترى هذا الكائن الحقير يجادل في آيات اللَّه ويكابر ثم يزعم أنه إنّما يناقش لأنه لم يقتنع، ويجادل لأنه غير مستيقن ولكن ما ثم إلا الكبر، والتطاول إلى ما هو أكبر من حقيقته، والتعالي إلى أخذ مكان ليس له، ولا تؤهله له قدراته، وهو لا يمتلك على ذلك أدنى سلطان من برهان أو دليل من نظر عقلي أو حسي، إنّما هو ذلك الكبر وحده، والانتفاش والتورم الذي يخفي تحته الفراغ والمرض، هؤلاء هم أهل الحداثة الذين يزعمون مصادمة القدر الرباني، ويدعون القدرة على صياغة الإنسان والحياة والأقدار كما يريد {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}(١).
تعاظمت عندهم أنفسهم فاستكبروا وانتفخوا وطغوا طغيانًا كبيرًا، وتضخمت مشاعرهم نحو ذواتهم حتى شغلهم ذلك عن رؤية الحقيقة وتقديرها، والناظر في كلامهم يجد أنهم بلغوا مرتبة من الاستكبار لم يعودوا يحسون فيها إلّا بأنفسهم الجوفاء، ومذاهبهم الفارغة فراغ عقولهم، حتى ليحسبون أنهم وما يعبدون وصلوا إلى درجة أن يكونوا آلهة من دون اللَّه، فيا لها من مهزلة غرقوا فيها، ويا لها من متاهة جاهلية ضلوا فيها!! فالحمد للَّه على نعمة الإيمان.
نأخذ قولًا آخر لجابر عصفور يؤكد هذه القضايا، وذلك في سياق هجومه على عقيدة القضاء والقدر فبعد أن ذكر المتطوعة الإلحادية لعبد العزيز المقالح من ديوانه "الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل" وهي مقطوعة مليئة بالإلحاد في ديوان يدل اسمه على مضمونه حيث جعله كتابة بسيف المرتد