للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقام هنا ليس مقام الحديث عن ذلك، وفي كتاب "التطور والثبات في حياة البشر" (١) غنية وكفاية لمن أراد معرفة الحق من الباطل في قضية المتحول والمتحرك والمتطور وقضية الثابت والأصل.

ويصف مؤلف تاريخ الفكر الأوروبي الحديث المدى الواسع الذي امتدت إليه نظرية داروين فيقول: (والحق أن الأفكار التي تنطوي عليها الداروينية أكثر من أن تدون، فالآراء الارتقائية قد نفذت إلى عقلنا نفوذًا عميقًا، وإلى كل ميدان من ميادين حياتنا الفكرية، وأصبحت قاعدة مألوفة لدراسة الظاهرة في مجرى تطورها، زد على ذلك أن الاهتمام بالارتقاء قد خرج من الدوائر الأكاديمية (دخل حتى ميادين التجارة والصناعة. . . نذكر أن جون ديوي في تقويمه الشهير لتأثير داروين في الفلسفة، والوارد في كتابه "أثر داروين في الفلسفية" والصادر عام ١٩٠٩ م وقد عزا إلى داروين تنصيب مبدأ التحول أو الانتقال ملكًا على عرش العلوم) (٢).

من هنا نرى أنه ليس من التجاوز وصف الحياة الغربية في شتى صورها وانحائها بأنها ثمرة من ثمار النظرية المادية الحيوانية المسماة نظرية النشوء والارتقاء، والناظر في النتاج والنشاط الغربي اليوم يجد هذه الحقيقة شاخصة، ولاسيما في النتاج الفكري والأدبي والفني، وفي الحياة النفسية والمسيرة الاجتماعية، بل ويظهر ذلك جليًا في السياسات الغربية خاصة إزاء غيرهم من الشعوب.

إذا كان الغرب ينظر إلى العقل على أساس من نظرية داروين، فماذا يُرجى يعد ذلك من هؤلاء البشر؟ يقول مؤلف كتاب تاريخ الفكر الأوروبي: (أمَّا من الناحية الفلسفية فلقد عملت الداروينية على إضعاف الثقة بالمذهب المثالي أو العقلي، ففلاسفة شباب كـ"جون ديوي" هجروا هيجل إلى فلسفة فيها المزيد من النظرة الطبيعية فلقد بدا لهم أن من المتوجب أن يكون العقل نتاجًا للارتقاء والأفكار حصادًا للاصطفاء الطبيعي. . . فالغريزة أو الإرادة أو


(١) لمؤلفه الشيخ محمد قطب.
(٢) المصدر السابق: ص ٤٢٣ طبعة دار القارئ العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>