للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن رأوا فضاعة الانحدار التي وصلت إليها الحياة الغربية، ومنهم على سبيل المثال "رينيه دوبو" (١) الذي قال في كتابه "إنسانية الإنسان": (أنا أشك أن في استطاعة البشرية تحمل أسلوب حياتنا السخيف لمدة أطول دون أن نفقد أفضل ما في الإنسانية، وعلى الرجل الغربي أن يختار مجتمعًا جديدًا، وإلّا فإن المجتمع الحديث سيفنيه. . . هناك عناصر في الموقف الحاضر يُمكن إيجاد أجوبة لها في التكنولوجيا، ولكن هناك عناصر أخرى لا يُمكن للتكنولوجيا أن تجيب عليها وهي تتعلق إلى حد ما بموضوع نظرتنا الفلسفية الأساسية بالنسبة للإنسان وما يعني تطبيقها. . . والتطلع إلى موقف إنساني غير خاضع لأوامر التكنولوجيا، ليس رجعية ولا انهزامية بل هو موقف نقدي وجهد بطولي. . .) (٢).

(وستعاني مجتمعاتنا، لا محالة، من كوارث بيولوجية ونفسية ما لم تنمّ بيئات تكنولوجية وحضرية تتناسب حقًا وحاجات الإنسان، فأمراض المدنية وتمرد الشباب هي إنذارات بأن العافية البدنية والصحة العقلية والرضى العاطفي كلها تحتاج لأكثر من الغنى المادي وإنتاج الأشياء ومعرفة أسرار الذرة) (٣).

ويصف مقدار العطش الروحي الذي يعانى منها الغرب بسبب انتشار الإلحاد، ويحاول أن يتشبث ببقايا ما في الوجدان الغربي من آثار باقية من دين، وهو بذلك يحاول أن يضع الإنسان في أرضية الإنسانية التي سلبها منه الإلحاد، يقول رينيه دوبو: (والقبول الواسع لمواقف لا دينية في المجتمعات المعاصرة وضع إنسانها الملحد في موقف صعب، فرغمًا عن تطرفه الشديد في اندفاعه لإزالة القداسة عن كل شيء لم يستطع أن يحرر نفسه تمامًا من الماضي، فطبيعته الدينية القديمة باقية دائمًا في أعماق كيانه مستعدة لأن


(١) رينيه دوبو، أستاذ في جامعة روكيلفر في نيويورك وأخصائي بعلم الحياة -البيولوجيا- نال عدة جوائز منها جائزة نوبل بالاشتراك مع آخر عام ١٣٩٦ هـ/ ١٩٧٦ م، وهو مؤلف ومحاضر وله أبحاث علمية عديدة، ومن مؤلفاته كتاب "يا لإنسانية هذا الحيوان!! " المتوجم إلى العربية بعنوان "إنسانية الإنسان". انظر: إنسانية الإنسان: ص ٤.
(٢) إنسانية الإنسان: ص ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٣) المصدر السابق: ص ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>