للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الغاية القصوى من الشأن حتى إني ما فكرت فيها إلّا وداخلني شك وحفت بي ريب، غير أن العدد الأوفر من تلك المشكلات ظاهر، لا مناقضة فيه لحقيقة مذهبي والبقية الباقية على فرض صحتها لا تقوض دعائم المذهب ولا تنفيه جملة على ما أدري.

ولنعدد هنا تلك المشكلات لنتخذها للبحث أساسًا:

١ - إذا كانت الأنواع قد تدرجت متسلسلة عن أنواع غيرها، متحولة في خطى دقيقة من النشوء، فلم لا ترى في شعب النظام العضوي تلك الصور الوسطى التي تربط بين بعضها وبعض؟ ولماذا لا تُرى الطبيعة في تهوش وتخالط يقتضيها تسلسل الصور، بل نرى الأنواع صحيحة لا خلل في نظامها ولا التباس.

٢ - هل من المستطاع أن حيوانًا له تركيب الخفاش وعاداته مثلًا قد يستحدث بالتهذيب وتغاير الصفات من حيوان آخر مختلف عنه اختلافًا بعيدًا في العادات والتركيب العضوي؟ وهل نقوى على الاعتقاد بأن الانتخاب الطبيعي في مستطاعه أن ينتج من جهة عضوًا في الغاية الأخيرة في اتضاع المكان كذنب الزرافة الذي تستخدمه لدفع الهوام عنها، وأن يحدث من جهة أخرى عضوًا غريب التركيب دقيق التكوين متعدد المنافع كالعين مثلًا؟.

٣ - هل من المستطاع كسب الغرائز وتهذيبها بالانتخاب الطبيعي؟ وماذا تقول عن تلك الغريزة العجيبة التي تسوق النحلة إلى بناء خلياتها على صورة من الإتقان برزت بالسبق إليها مستكشفات عظماء الرياضيين وأهل الرأي منهم خاصة؟.

٤ - بم نعلل عقم الأنواع لدى تلاقحها، وانتاجها إنسالًا عقيمة لا تلد؟ بينما يزيد التلاقح من صبوة التنوعات ويضاعف من قوة الإنتاج فيها!) (١).

هذه الأسئلة الجذرية التي تنسف نظرية داروين من أساسها يتجاوزها


(١) كتاب أصل الأنواع، المجلد الثالث، الفصل السابع: ص ٤ - ٧١ نقلًا عن كتاب الإنسان والداروينية: ص ٢٢٢ - ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>