للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول أدونيس بعد أن وصف جبران خليل جبران بالنبوة وفصل حيثيات هذا النعت بأنها نبوة مفرغة من دلالتها الإلهية، وأن جبران بموقفه النبوي -حسب تعبير أدونيس- وبطموحه النبوي صار (يرى الخفي المحجوب ويلبي نداءه، ويسمع أسرار الغيب، ويعلنها، والمعلوم عنده ليس إلّا مطية إلى المجهول) (١).

بعد هذه الأوصاف يتحدث أدونيس قائلًا: (يصح في هذا الضوء، أن نسمي جبران كاتبًا رؤيويًا، والرؤيا في دلالتها الأصلية، وسيلة الكشف عن الغيب، أو هي العلم بالغيب، ولا تحدث الرؤيا إلّا في حالة انفصال عن عالم المحسوسات. . . وتتفاوت الرؤيا عمقًا وشمولًا، بتفاوت الرائين، فمنهم ممن يكون في الدرجة العالية من السمو، من يرى الشيء على حقيقته، ومنهم من يراه ملتبسًا، وذلك بحسب استعداده، وأحيانًا يرى الرائي في حلمه، وأحيانًا يرى في قلبه وبقدر ما يكون الرائي بقلبه مستعدًا لاختراق عالم الحس أو حجاب الحس تكون رؤياه صادقة. . . فالرؤيا إذن نوع من الاتحاد بالغيب بخلق صورة جديدة للعالم، أو بخلق العالم من جديد. . . والرؤيا إذن تعني ببكارة العالم، ويعني الرائي بأن يظل العالم له جديدًا، كأنه يخلق ابتداء، باستمرار.

ومن هنا ضيقه بالعالم المحسوس لأنه عالم الكثافة، أي عالم الرتابة والعادة، وانشغاله بعالم الغيب الذي هو مكان التجدد المستمر، من حيث أنه احتمال دائم.

ومن هنا كذلك يرفض الرائي عالم المنطق والعقل، فالرؤيا لا تجيء وفقًا لمقولة السبب والنتيجة، وإنّما تجئ بلا سبب في شكل خاطف مفاجيء، أو تجيء إشراقًا.

والرؤيا إذن كشف، إنها ضربة تزيح كل حاجز، أو هي نظرة تخترق الواقع إلى ما وراءه. . .


(١) المصدر السابق ٣/ ١٦٥ وقد أسند في الهامش الأقوال إلى مواضعها من كتب جبران.

<<  <  ج: ص:  >  >>