للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرؤيا هنا تتجاوز الزمان والمكان، أعني أن الرائي تتجلى له أشياء الغيب خارج الترتيب أو التسلسل الزماني وخارج المكان المحدود وامتداده. . .

والرؤيا إذن إبداع، ويُمكن تعريف المبدع، على صعيد الرؤيا، بأنه من يبدع في نفسه صورة خيالية أو مثالًا، ويبرزه إلى الوجود الخارجي" وكل شخص لا ينطلق من هذا الإبداع في نفسه لا يسمى مبدعًا. . .) (١).

أدونيس هنا يقر بعالم الغيب ويؤكده بل ويجعله مجال الإبداع وأفق الرؤيا، وهناك -في الكتاب نفسه- ينفي الغيبيات ويجحدها ويجعل الإيمان بها من علائم التخلف، لماذا؟.

الغيبيات التي يسعى أدونيس -وسائر الحداثيين- في اطراحها هي الغيبيات التي أثبتها الإسلام وجاء بخبرها القرآن وصحيح السنة، والغيبيات التي يثبتها هنا هي غيبيات الحداثة من الوثنيات والأساطير اليونانية، حتى السوريالية، ومن غيبيات داروين وماركس وفرويد، حتى غيبيات الباطنية والصوفية، المهم في ذلك كله ألا تكون هذه الغيبيات مما جاء به الإسلام، فهل من إباء في نفوس المسلمين يبعث حمية الإسلام في قلوب تحب اللَّه ورسوله ودينه، فتدفع غائلة هذا الجور الحداثي والظلم الإلحادي الذي انفسحت له صدور المنتديات والملاحق الأدبية والمكتبات:

(إذا المرءُ لم يدفع يد الجور إن سطت … عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده

وأقتل داء رؤية المرء ظالمًا … يسيء ويتلى في المحافل حمده

علام يعيش المرء في الدهر خاملًا؟ … أيفرح في الدنيا بيوم يعده؟

يرى الضيم يغشاه فيلتذ وقعه … كذي جرب يلتذ بالحك جلده) (٢)


(١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ١٦٦ - ١٦٨.
(٢) ديوان محمود سامي البارودي ١/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>