خبط عشواء من تصبه تمته ومن تخطئه يعمر حتى الهرم، وكان لهذه العقائد الكفرية أثرها البعيد على نظام حياتهم ونمط معيشتهم، فكانوا يحكمون بشريعة الجاهلية، وبها يحفون ويحرمون، ويجيزون ويمنعون، وكانت لأصنامهم الحضوة الكبرى والتأله الأكبر بما يقدمونه لها من عبادات وقربات.
وكانت هناك -على أساس من عقائدهم- الانحرافات الخلقية من خمر وميسر وفاحشة علنية أو مستترة، ووأد، وظلم متعدد الأوجه والأنواع: ظلم سياسي، وظلم اجتماعي، وظلم اقتصادي، من حمية قبلية وطبقية عنصرية أو مالية، إلى أكل الأموال بالباطل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض إلى غير ذلك من أنماط حياتهم المليئة بالشر والفساد والرذيلة والانحراف.
ثم جاء الإسلام ليخرج هؤلاء -أولًا- من ضلال الاعتقاد الكفري وفساد التوجه الشركي، جاء الإسلام بمبدأ التوحيد "لا إله إلّا اللَّه" وبقضايا الإيمان الأساسية؛ لأنها هي الأصل الذي ينبني عليه أي تغيير بعد ذلك.
وبعد أن أسست عقائد الإيمان وتأسس توحيد اللَّه مكان الأوثان، عالج الإسلام المشكلات الأخرى والانحرافات المتعددة، القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية.
وأمر اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبدأ بالتوحيد يدعو الناس إليه، ويربي من استجاب منهم على مقتضاه أي أن الانحرافات لم تكن خارج الدعوة، أو خارج الاهتمام، ولكنه عالج هذه الانحرافات على أساس أن هذه المعالجة من مقتضيات التوحيد ومن لوازم الإيمان.
والمقصود أن الإسلام بعد أن أسس مبدأ التوحيد وقضايا الاعتقاد، شرع الشرائع، ووضح الأحكام، ووضع المنهج والنظام، ليخرج الناس من ظلمات العقائد التي انبنت عليها ظلمات الانحرافات والمفاسد العملية.
والجاهلية المعاصرة، على نمط الجاهلية القديمة، اتخذت أصنامًا، واعتنقت عقائد، قادتها إلى مهاوي البلاء والردى وأركستها في أشر ما يُمكن أن يرتكس فيه إنسان.