فإن أتباع الملة الحداثية العلمانية، من أبناء المسلمين أو من أبناء البلدان الإسلامية، اتبعوا الجاهلية الاعتقادية والضلالات الفكرية، والانحرافات الفلسفية، وقد سبق بيان ذلك في الفصول الماضية، وتبع ذلك -ولابد أن يتبعه- جاهليات أخرى، جاهلية في النظم والسياسات، وجاهلية في الاقتصاد، وجاهلية في التوجيه والتعليم، وجاهلية في النفس في ذاتها وسلوكها واجتماعها.
وتبع الفساد الاعتقادي والتبعية الاعتقادية -ولابد أن يتبعه- أن أصبحوا حربًا على دينهم وعدوًا لأمتهم.
ومن حربهم الموجه ضد دينهم أنهم توجهوا إليه -بدافع من اعتقاداتهم المادية- بالثلب والسب والسخرية والاستخفاف والعبث بمصطلحاته شعائره وأصوله وأركانه وسائر قضاياه.
وهذا ما سوف نرى شواهده في الفصول الآتية، وهذه القضايا وإن كانت -في مجملها- قضايا عملية وممارسات فعلية، ليست -أصلًا- من قضايا الاعتقاد التي يهتم البحث بها على وجه الخصوص، ولكنها -كما أسلفت- لا تنفك عن الاعتقاد، إذ هي الصورة التطبيقية للاعتقاد، والممارسة العملية للفكرة المقتنعة، وهي -مع ذلك- المطلب العملي المقصود من الأتباع، والغاية الفعلية المرادة من الذائبين في أحماض المذاهب والعقائد الغربية.
نعم يُسرُّ الكفر وأهله بسلخ المسلم عن دينه، وإخراجه من النور إلى الظلمات في أي شكل وعلى أي هيئة ولو في صورة فكرية مجردة، فذلك مكسب للشيطان وحزبه، ولكن سرورهم أعظم وفائدتهم أجزل عندما يتعدى هذا السلخ إلى أن يصبح المسلوخ أداة لهم، وصورة عنهم، ووسيلة من وسائلهم، وامتدادًا عمليًا لهم في واقع المسلمين، إمَّا بنشر الفكرة العلمانية أو الحداثية أو غيرها من الأفكار الغربية، وإمَّا بممارسة العمل في منصب توجيه أو قيادة.