للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحول دون تحقيق وعودها، فلا حرية مع الوحدانية. . . لذلك نجد النهضة الأوروبية حاولت إعادة الصيغة الوثنية التعددية، فقد وجدت فيها التعبير الأكمل لحرية الإنسان فكرًا وجسدًا، وهنا تبدأ الحداثة الثانية. . . وقد كانت الدعوة إلى الصيغة الوثنية واضحة كل الوضوح لدى رجال النهضة. . . إن الظروف الصناعية عدلت الكثير من الصيغة الوثنية للحداثة الزراعية، ولكنها أبقت على نواتها الأساسية، أمّا النواة الأساسية التي أبقت عليها فهي إسقاط القداسة عن كل شيء، لم يعد هناك شيء خالد قدسي أبدي لا في عالم الفكر ولا في عالم المادة) (١).

ثم يضيف: (ولا تزال مهمة الخلاص من الوحدانيات قائمة. . . وعلى هذا يُمكن القول إن الحداثة الصناعية أو الحداثة المعاصرة هي محاولة استعادة الصيغة الوثنية للحداثة الزراعية، في ظروف جديدة، أهم ما يميزها الصخب والسرعة والاكتظاظ، وهذه الصفات تقف تمامًا في الضفة المقابلة لصفات ظروف الحداثة الزراعية، أمَّا القاسم المشترك فهو إسقاط القداسة عن كل شيء، فلا العروض ولا القوافي، ولا الأوزان والإيقاعات والكلمات والتصريحات، ولا العقائد والأفكار والمذاهب والآراء، ولا العادات والتقاليد والطقوس والممارسات، ولا الأحزاب والكتل والفئات والمجموعات والأفراد، ولا الأنظمة والقوانين والدساتير، ولا المكان والزمان والشهور والأيام تحظى بأي قدسية) (٢).

أمّا المتفرنس محمد أركون فقد ناقش قضية المقدس والحرام وقرر بأن (المقدس متحول ومتحرك وليس ثابتًا أو ساكنًا كما قد نتوهم، يضاف إلى ذلك أن المقدس يتعرض باستمرار للتلاعب به من قبل الفاعلين الاجتماعيين أي البشر. . .، ويُمكنني أن أقول: إن المقدس الذي نعيش عليه أو معه اليوم لا علاقة له بالمقدس الذي كان للعرب في الكعبة قبل الإسلام، ولا حتى بالمقدس السائد أيام النبي، لأن أشياء كثيرة تغيرت منذ ذلك الوقت في


(١) المصدر السابق ٨/ ٣٣.
(٢) المصدر السابق ٨/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>