للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساحة المجتمعات الإسلامية والعربية، وإذن فينبغي أن ننظر للمقدس كشيء متحرك وفي الوقت ذاته جبار ومستمر، بمعنى أنه موجود دائمًا ولكن بأشكال متنوعة شديدة الاختلاف) (١).

ومؤدى هذا القول إسقاط القداسة وإزاحتها مثل القول السابق (٢)، إلّا أن الكاتب السابق كان أصرح وأوضح في طرح فكرته، أمّا أركون فإنه كأسلوبه دائمًا ملتوٍ معقد، وغاية قوله هذا أن المقدس في العهد الأول من الإسلام يُمكن أن يتحول إلى مدنس، والمدنس يتحول إلى مقدس، أي: -وحسب النص الذي قبله- يتحول التوحيد إلى تخلف ورجعية وركود وجمود، وتتحول الوثنية إلى تقدم وتجدد وتعددية وانفتاح!!.

ولعل أركون بهذا القول يبرر لنفسه وأتباعه غرقهم في تقديس الغرب وخاصة فرنسا، وتقديس محاضن العلوم الإنسانية الغربية وخاصة السوريون الذي يعمل فيه، وتقديس المناهج وخاصة المنهج المادي العلماني، وتقديس أعلام الفلسفة الغربية وخاصة ماركس ونيتشه (٣).

أمّا محمد بنيس فإنه يتحدث في سياق "تدنيس المقدس" بصورة أكثر جرأة ووقاحة، حين يتحدث عن الإسلام وأركانه والإيمان وأركانه تحت عبارة "المتعاليات" ويقصد بها أولًا: اللَّه -جلَّ وعلا- وثانيًا سائر أركان وقواعد الإسلام العلمية والعملية، يقول بنيس: (أول ما يجب أن يتجه إليه النقد هو المتعاليات بمختلف تجلياتها، ليس الغائب الذي يخلق الحاضر والمستقبل بل الإنسان هو خالق حاضره ومستقبله.

لا تستصغروا المتعاليات إنها المتحكمة في وعينا ولا وعينا. . . إن المتعاليات كمجال معرفي، تعتمد قناعة أساسًا، وهي أن الإنسان موجود


(١) الإسلام والحداثة: ص ٣٣١.
(٢) وهو لحنا عبود.
(٣) انظر عن حياته ومجمل أفكاره كتاب العقلانية هداية أم غواية: ص ١٢٦ - ١٢٨ وخاصة المقابلة أجرتها معه مجلة فرنسية عن الإسلام وفيها صب جام حقده على أحكام الإسلام، وتبين فيها مقدار جهله به.

<<  <  ج: ص:  >  >>