للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاني نفسها مكررة هنا، إلّا أنه يضيف رغبته في إحياء بابل الوثنية، وإعادة تاريخها وعقائدها، متمثلًا وثنيتها ومتشبهًا بضلالها في نسبة الخلق إلى نفسه، كما كانت تفعل الوثنية البابلية في نسبتها الخلق إلى آلهتها، إنه بهذه يظهر نفسه في موطن تأليه نفسه، ناسبًا الأبدية للمخلوق الفاني الضعيف حيث يقول: (وأخلق بابل بين الخالق والمخلوق) وهو يعني بذلك أنه يؤصل المبادئ والعقائد التي يعتنقها، ويرسخ وجودها في الواقع من خلال التدمير والإحراق (وأظل اللهب الضارب في الأشياء).

تدمير وثورة على كل شيء في الواقع العربي، الدين والأخلاق والقيم والنظم والتراث التي عبّر عنها بالورق الرمليّ، ثم يصف نفسه بأنه يضيء نفسه بالضوء، وبالرغبة في البقاء خارج الأطر والقواعد العقدية والأخلاقية وغيرها، ولنا أن نسأل أي ضوء يريده هذا المظلم المتخبط في ظلمات الكفر والجهل والتبعية، ومن لم يجعل اللَّه له نورًا فما له من نور.

إن بابل التي يمهد أدونيس الطريق أمام وثنيتها، ويعلن انتماءه إليها لون من ألوان التقلب في الظلمات، من ظلمة الوثنية إلى ظلمة المادية الإلحادية إلى ظلمة الباطنية النصيرية إلى ظلمة النصرانية.

أمّا بابل التي يقدسها ويشيد بها، في الوقت الذي يدنس فيه المدن الإسلامية فإنه يضفي عليها صفات الربوبية، ويلحق نفسه بذلك حين يصفها بالأبدية، وهو يعني شعره وفكره وعقيدته وحداثته، يقول:

(تهجم بابل في طاووس أو جلاد

ويكون التاريخ هشيمًا

والقيم قيانًا

وتكون الأشجار سبايا

أحيانًا

بابل قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>