للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد تعبير أدونيس، من هنا يخوض الإنسان صراعًا روحيًا مع الفراغ، إذ يؤدي المجتمع الحديث إلى "التبعثر والتمرد والرفض والحيرة والقلق وما إلى ذلك مما يطبع عصرنا الحاضر" (١)، ومن هنا يحل الشعر مكان الدين، ويصبح "ميتافيزيقيا" المجتمع الحديث حيث يلعب الشاعر "دور الآلهة التي اختفت" (٢) على حد تعبير خالدة سعيد. . . يعيد الشعر في هذا السياق اكتشاف "اللَّه" على صورة الإنسان "الحي الميت المحب المبغض الآمل اليائس السعيد التعيس القاهر المقهور" (٣)، ويفسر ذلك اهتمام مجلة شعر بالتجربة الميتافيزيقية واحتضانها لما يُمكن تسميته بالتجربة المسيحية في الشعر العربيّ، من حيث أن المسيح يغدو هنا إلهًا علمانيًا. . .) (٤).

هكذا تتشابك الحداثة تشابكًا عضويًا مع الإلحاد، وتمتزج في رؤية زعماء الحداثة في علاقة مغموسة بالمادية والكفر متعددة الواجهات متنوعة العبارات ذات نسق موحد في مواجهة الإسلام في محاولة لإزاحته عن الوجود من خلال إنكار وجود اللَّه تعالى وربوبيته وألوهيته وشريعته، وإيجاد المطلق (٥) الماديّ ويقصدون به البديل الإلحاديّ للَّه -جلَّ وعلا-، فها هي


(١) ينقل باروت هذا النص عن أدونيس في كتابه زمن الشعر: ص ٥٠.
(٢) ينقل باروت هذا النص عن خالدة سعيد في البحث عن الجذور، دار مجلة شعر بيروت ١٣٧٩ هـ/ ١٩٦٠: ص ٩.
(٣) ينقل باروت هذا النص عن الخال في مقال له بعنوان بين المثال والواقع نشر في مجلة أدب صيف ١٩٦٣ م/ ١٣٨٢ هـ: ص ٣.
(٤) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ من مقال لمحمد جمال باروت بعنوان "تجربة الحداثة": ص ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٥) المراد بالمطلق هو ما كان بلا قيد ولا وثاق، والعريّ عن الصفة والشرط والاستثناء، هكذا عند أهل المنطق والكلام، أمَّا عند أهل الفلسفة المادية الحديثة فيريدون به الإشارة إلى أن شيئًا ما صالح من كل الأوجه بلا قيد، وهو التام والكامل والثابت والكليّ وغير النسبي، وعلى هذا فقد أطلقوا على الشعر والفن والديمقراطية والمذهب الإنسانيّ وغير ذلك لفظ المطلق. انظر: الكليات: ص ٨٤٨، ومعجم المصطلحات والشواهد الفلسفية: ص ٤٢٨ - ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>