للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يتخلف. . . حيث يضيف السابق إلى اللاحق لا على سبيل الائتساء والاتباع بل على طريق الابتداع والانقطاع، وإذ ينفي هذا الفهم عن خطاب الحداثة الثنائية الخبرية، الملازمة لمقولتي الزمن والإنسان، فإنه ينفي الثنائية المتضمنة لعلاقة الأعلى والأدنى. . . وينتفي معنى الحقيقة الجاهزة، القبلية السابقة الصنع، التي ينقلها الأعلى إلى الأدنى، ويحل محله مقابل لحقيقة نسبية، متغيرة، في حالة صنع دائم، تتشكل في خطاب حواري، يسهم كل أطرافه في إنتاجه) (١).

لماذا كل هذا الدوران والتلاعب بالألفاظ؟ ولماذا الاستتار خلف الألفاظ الموهمة والعبارات الملتبسة؟ ألا يستطيع أن يقول بصراحة أن الحداثة تنفي علاقة الإنسان بربه، بدلًا من قوله أنها تنفي علاقة الأعلى والأدنى؟ ثم ألم يكن ممكنًا له أن يقول بجلاء بأن الحداثة ترفض قبول الدين والوحي، بدلًا من قوله: إنها تنفي معنى الحقيقة الجاهزة القبلية السابقة الصنع؟ لقد كان بإمكانه أن يقول ذلك بصراحة، ولكنها خطة "خداع المصطلحات" و"أضاليل العبارات" و"أباطيل المفاهيم" إنها الخطة القديمة الجديدة التي يعتمد عليها بنيان النفاق: الخداع والكذب الرياء، كما قال اللَّه تعالى عنهم: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)} (٢).

فهم حين يظهرون الإسلام واحترامه، ويبطنون البغض والعداوة له، يحسبون أنهم يخادعون اللَّه والمؤمنين، ولكنهم في حقيقة لا يخدعون إلا أنفسهم وهم يظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على الخداع والمراوغة والتلاعب والاحتيال، غير أن الواقع يشهد بأنهم لا يخدعون إلّا أنفسهم المريضة وأذهانهم الكليلة، وقال اللَّه تعالى عنهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)} (٣).


(١) المصدر السابق: ص ١٨٩.
(٢) الآية ٩ من سورة البقرة.
(٣) الآية ١٤ من سورة المجادلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>