للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو خالق حاضره ومستقبله (١).

فالإنسان عندهم موجود ماديّ، وهو مستمر أبدًا كما عبر أحدهم في سفسطة إلحادية قائلًا: (البشرية باقية والإنسان زائل) (٢).

أمّا الإيمان بأن اللَّه خالق العالم فهم من أبعد الناس عنه وأشدهم إعراضً عنه، وأكثرهم نقدًا وتهكمًا به وبالمؤمنين به، فها هو محمد أركون يتهكم بالمؤمنين الذين يؤمنون بأن اللَّه خالق العالم ويصفهم بالأصوليين والأرثوذكس فيقول: (. . . موقف المتكلمين الفقهاء، أي الأصوليين الذين يدافعون عن الموقف الأرثوذكسيّ كما حدده القرآن بأن العالم مخلوق من اللَّه، وبين موقف الفلاسفة الذين قالوا بأزلية العالم. . .) (٣).

ولذلك اشتد تلبط هذه الفئة بالدنيا وعظم إخلادهم إلى الأرض لأنهم يرون أن هذه الدنيا هي غاية كل شئ كما قال أسلافهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ. . . .} (٤)، وغير مستغرب من كانت هذه عقيدته أن يهبط في عقيدته وسلوكه إلى أسفل حضيض، أليست الأرض هي غايتهم ومحراب آمالهم؟:

(هي الأرض محرابنا السرمديّ عليها سنبني صروح السلام) (٥)، وما دامت الأرض والحياة فيها هي المقصد والمنتهى عندهم فلا غرابة أن تسمع واحدًا يوصي آخر بقوله بلهجة عامية لبنانية: (كول. . واشرب وعيش وانبسط ما تخلي الدنيا تعتب عليك، بعدها الدنيا ما في شي. . ويضرب على بطنه بزهو ومرح ويشرب. . .) (٦).


(١) انظر: حداثة السؤال، لمحمد بنيس: ص ١٩.
(٢) رأيهم في الإسلام: ص ١٢٠ في مقابلة مع جمال الغيطاني الماركسيّ سابقًا الوجوديّ لاحقًا. انظر: المصدر نفسه: ص ١١٥.
(٣) الإسلام والحداثة: ص ٣٤٠.
(٤) الآية ٢٤ من سورة الجاثية.
(٥) ديوان البياتيّ ١/ ١٧٥.
(٦) شخصيات وأدوار في الثقافة العربية، لمحمد دكروب: ص ١١٥، وهذا الحديث عن ليلة زار فيها مارون عبود في داره وكان يشرب الخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>