للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك كان الشرك يتمثل في اعتقاد آلهة أخرى غير اللَّه، يتوجه إليها الإنسان بالعبادة، أو يتوجه بطلب التحليل والتحريم من دون اللَّه.

وثبوت صفة الإسلام لأي إنسان في الحياة الدنيا لا يأتي بمجرد التلفظ بكلمة التوحيد -وإن عصمت دمه وماله، وحكم له ظاهرًا بالإسلام (١) - بل يكون منوطًا بالالتزام الحقيقي بـ "لا إله إلَّا اللَّه" وتحقيق شروطها، وتطبيق مقتضياتها.

ولم يحدث في تاريخ الإسلام خلال الثلاثة عشر قرنًا الماضية التي كانت تطبق فيها أحكام الإسلام، وتنفذ فيها شريعة اللَّه، أن أحدًا من الناس، قال لم أكن أعلم أن للإسلام لوازم عملية، أو أن لكلمة التوحيد مقتضيات عبادية تشريعية، ولو كان أجهل الناس بأحكام الفروع، أو أكثرهم وقوعًا في المعاصي والذنوب، لقد كانت هذه القضية مسلمة لا جدال فيها، ومبرهنة لا مراء فيها عند جميع المسلمين حكامًا ومحكومين، كانوا جميعًا يعلمون أنه ليس هناك إسلام بلا تكاليف، ولا توحيد بلا حكم، ولا إيمان بلا تشريع، وكان أهل العلم والإيمان يقررون بأنه اليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلَّا اللَّه، وأن اللَّه رب كل شيء ومليكه كما كان عباد الأصنام يقرون بذلك، وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة اللَّه والخضوع له والذلة له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها) (٢).

الثالث عشر: أن من نواقض الإسلام ونواقض التوحيد "الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى" وهو تفضيل أو مساواة حكم غير اللَّه، بحكم اللَّه تعالى في أي أمر من الأمور؛ كالهوى والرغبة الدنيوية والأعراف القبلية والقوانين الوضعية، والمقررات العقلية المخالفة للشرع وغير ذلك.


(١) ما لم يأت بناقض اعتقادي أو قولي أو عملي.
(٢) مدارج السالكين ١/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>