للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وبعدها يرد الأمر بالفضيلة والخير والبر أو النهي عن الرذيلة والشر والإثم، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} (١)، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (٢)، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} (٣)، وغيرها من الآيات.

فالإيمان واتباع منهج الإسلام سلوك إرادي توجبه فضائل الأخلاق، وهو -في الوقت نفسه- يدل ويوصل إلى فضائل الأخلاق، وينهى ويحذر عن وذائلها، والإيمان في حقيقته يستلزم كل الفضائل ويستلزم النهي والمفارقة لكل الرذائل، بل هو كذلك في صميمه إضافة إلى ما يستلزمه ويقتضيه.

٥ - الإيمان في أصله إذعان للحق واعتراف به وانقياد، وهذا عمل أخلاقي عظيم تطلبه النفوس التواقة، بخلاف الكفر فهو استكبار عن الحق ورد له وتعال عليه، وهذه دناءة خلقية عظيمة، تنحط إليها النفوس الرذيئة.

ومن هنا يُمكن أن نفهم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (٤).

فأحسن الناس خلقًا لابد أن يكون أصدقهم إيمانًا وأخلصهم نية، وأكثرهم التزامًا بما يجب على العباد نحو ربهم من عبادة، وأكثرهم التزامًا بحقوق الناس المادية والأدبية، فالأسس الأخلاقية والأسس الإيمانية ذات أصولٍ نفسية واحدة، وإن كانت بعض الأوامر الشرعية تستند إلى محض التعبد لكونها أوامر من اللَّه تعالى، يجب إنفاذها على الوجه الذي أمر اللَّه به كعدد ركعات الصلاة وهيئاتها، ولا يستدعيها أساس أخلاقي منفصل عن


(١) الآية ١٣٥ من سورة النساء.
(٢) الآية ٢٧ من سورة الأنفال.
(٣) الآية ١١٩ من سورة التوبة.
(٤) سبق تخريجه: ص ١٩٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>