الأعراف السياسية والأخلاقية على نوع من التهذيب النفعي الذرائعي، بعيدًا عن التهذيب الخلقي الإنساني؛ لأن الأخلاق عندهم ليست أصيلة ولا مستقرة، بل هي متغيرة حسب المصلحة؛ ولأن طبيعة الغرب طبيعة مادية نفعية، وعلى ذلك ترتبت أفكاره ومشاعره وسلوكياته، وانطلق في دركات الانحطاط الخلقي بصراحة حمقاء، وألقى قناع الحياء، بل راح ينظّر لهذا الانحدار ويفلسف له، ويسعى في ترسيخه واقعًا عمليًا بين الناس في كل الأرض، وما إعلام الشهوات الهائجة، وسياسة الظلم الأهوج، والمكاييل المزدوجة التي تمارسها أمريكا والدول الأوروبية إلّا نماذج لهذه البرغماتية المادية المبرأة من كل إنسانية، والمشبعة بكل ألوان النتن والسخف والجهالات.
ويقول بعض المنبهرين أن هذه السياسة قد نجحت في السيطرة، ونجحت في تحرير الإنسان والرقي به، واستمرارها دليل نجاحها.
وهذه الفكرة من فرعيات المذهب البرجماتي، فليس الأخلاقيات الأمريكية البرجماتية بذات نجاح في ذاتها، وما يتصوره المنهزمون نجاحًا في الواقع ليس إلّا نتاجًا لقوة السيطرة، وتحكم القوى، وتغلب القوي، وإلّا فما قيمة فلسفة أو نظرية أو ممارسة تنكر كل القيم العليا وتؤمن بالمادية النفعية، وتنكر إنسانية الإنسان، وتصهره في بوتقة الذرائعية، وتنهيه في المستنقع الجنسي الإباحي وتظلمه وتسلب حقوقه، وتتلاعب بإمكانياته وقدراته، من أجل الوصول بها إلى خدمة ومنفعة ثلة متحكمة من اليهود ومطاياهم؟.
والمتأمل بعين البصيرة المتفتحة في حال الإنسان هناك، وفي وقائع الأحداث اليومية، والجرائم الخلقية وفي عدد زوار العيادات النفسية، وفي إحصائيات الانتحار والمخدرات والسطو والفتك والاغتصاب يوقن إلى أي مدى أثرت هذه الفلسفة البرغماتية وما ظاهرها من فرويدية وداروينية.
أمَّا النظر في تطبيقات الأخلاق البرغماتية في سياسة التعامل مع الدول والشعوب الأخرى فإنه يدرك لا محالة -إن كان له بصيرة-