للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القداسة عن كل شيء، لم يعد هناك شيء خالد قدسيّ أبديّ لا في عالم الفكر ولا في عالم المادة. . .

وعلى هذا يُمكن القول: أن الحداثة الصناعية أو الحداثة المعاصرة هي محاولة استعادة الصيغة الوثنية للحداثة الزراعية. . . أمّا القاسم المشترك فهو إسقاط القداسة عن كل شيء فلا العروض ولا القوافي والأوزان والإيقاعات والكلمات والتصريحات، ولا العقائد والأفكار والمذاهب والآراء والعادات والتقاليد والطقوس والممارسات، ولا الأحزاب والكتل والفئات والمجموعات والأفراد، ولا الأنظمة والقوانين والدساتير، ولا المكان والزمان والشهور تحظى بأي قدسية. . .

ومن هنا كان تشديدنا وتأكيدنا أن الحداثة ليست مذهبًا أو عقيدة أو مدرسة واحدة، ولا يُمكن أن تنحصر في مذهب أو عقيدة أو مدرسة، الحداثة هي الوضع المناقض تمامًا للوحدانية، أي وحدانية أدبية كانت أو غير أدبية، عقائدية أو غير عقائدية. . .) (١).

وقد نقلت هذا الكلام بطوله لأهميته في تصور الحداثة ومعرفتها على وجه الحقيقة، بعيدًا عن شبهة المعاداة لها أو التحامل عليها كما يدعي المنبهرون بالحداثة والمتعلقون برموزها، ويتضمن هذا النص عدة أمور حقيقية وعدة مغالطات، وهي:

١ - ربط الحداثة الفكرية بالحداثة الزراعية والصناعية في العهدين القديم والحديث مغالطة واضحة، وافتئات على الحقيقة، ومراده الرفع من شأن الحداثة وجعلها أساس كل تقدم وازدهار، وهذه مجازفة ادعائية وكذب صريح فإن جهد الإنسانية في هذا المجال مشترك، والجهد البشريّ في الإنتاج الماديّ غير خاضع للعقائد والديانات (٢) بقدر خضوعه لإرادة دنيوية


(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) المراد هنا أصل النشاط الإنساني والانتاجية، أما ما يصحب ذلك من بركة أو محق، وما يثمره ذلك الإنتاج من خير أو ضر، وسعادة أو شقاوة؛ فهو رهن الإيمان كما قال اللَّه تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>